• ×

قائمة

Rss قاريء

أراها جميلة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الاردن . نور العزام . نبراس 

أخذت تغني من الفرحة وتقول : "يا للدنيا أراها جميلة " " أراها جميلة" وذلك لأنها استطاعت أن تحصل على خمسة أرغفة من الخبز الساخن بعد أن باعت معطفها الوحيد بثلاثة دراهم لسيدة عجوزكانت تسكن في نفس الحي. في تلك الأشهرالقاسية أثناء الاستعمار الروسي كان الجيش يمنع النساء من العمل وكانت الفوضى تعم الشوارع فترى كل يوم سجين يجرالى المعتقل وترى كل يوم مشهد فتى يبكي بعد تعرضه للضرب العنيف من قبل أفراد قوات الجيش المسيطرة ومع قدوم اليوم التالي كان الألم يزيد في سماء المواطنين ليكون دخانا يصعد الى الأعلى ثم يختفي أثره دون أن يعلم أحد أين اختبأ.

في ذلك البرد القاتل وأثناء عودتها الى المنزل تعرقلت وهي تحمل الأرغفة ووقعت فوق رصيف مغطى بالثلوج التي تحولت الى جليد فوجدت نفسها لا تستطيع النهوض فجسدها بات ضعيفا من قلة الطعام وتعرضها للبرد فلم يعد لديها معطف بعد أن باعته للسيدة العجوز لقاء الخبز. ومع مرور قوات الجيش التفتوا اليها راقدة فوق الثلوج باكية من شدة البرد فتقدموا باتجاهها ليسألوها عن سبب جلوسها هكذا لكنها جهشت بالبكاء ولم تقوى على الكلام فجسدها يرتجف بردا وخوفا ولهذا السبب شكوا بأمرها فأمروا باعتقلالها لكنها لم تنطق بكلمة واحدة لأنها تعلم جيدا مدى قسوة هذا الجيش وصعوبة تراجعهم عن قرار الاعتقال بعد إصداره فازداد بكاؤها حرقة وهي تحتضن أرغفة الخبز بشدة لكن فجأة تقدم أحد أفراد الجيش اليها وانتزع منها الأرغفة وقام بتناولها هو ورفقاؤه وهي تنظر اليهم وتصرخ: "لا لا ارجوكم هذا طعام ابنائي أعيدوه لي"

بقيت في معتقل النساء عشرة أيام عانت خلالها من الجوع والبرد والتعذيب ما لا تحتمله امرأة لكنها لم تأبه فقد كانت تفكر كيف تشتري الطعام لأبنائها من جديد ففكرت ببيع حذاءها الجلدي فربما تستطيع استبداله بدرهم أو درهمين وما كان يحزنها أنه لم يكن لديها الاختيارأن تترك ابنائها الخمسة في المنزل دون راع طول تلك الأيام لكن لم يطل سجنها فلقد جاء قرار بالإعفاء لجميع النساء المعتقلات لأسباب لا يعلمها أحد فتوجهت الى منزلها بسرعة كبيرة و كانت حزينة لأنها لا تمتلك الطعام الذي خرجت من أجله فقررت أن تتوقف عند بائع الجلود وتبيع حذاءها بما يكفي لشراء بعض الأرغفة الساخنة التي ينتظرها أبناؤها وعندما وصلت المنزل ومعها الأرغفة كانت أقدامها قد تشققت دون أن تشعر بذلك فعندما فتحت بوابة المنزل أحست ببرودة لم تشعرها من قبل وكأنها في بيت مهجور فنادت: " أبنائي أين أنتم ها أنا قد عدت" لكنها لم تسمع أي صوت فأخذت تخطو ببطء وتردد داخل المنزل وكأن قيدا ثقيل يكبل أقدامها فشمت رائحة كريهة عندها التفتت الى يمينها بكل يأس لترى خمس جثث تستلقي جانب المدفئة فخلعت قبعتها بصمت وأخذت تردد ودموعها تضرب الأرض " أراها جميلة " .
للتقييم، فضلا تسجيل   دخول
بواسطة : سمر ركن
 0  0  349

التعليقات ( 0 )