اضطلعت منظمة التعاون الإسلامي منذ تأسيسها بمهمة الدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية، حيث ترتبط بعلاقات تشاور وتعاون مع الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الحكومية الدولية؛ بهدف حماية القضايا والمصالح الحيوية التي تهم ما يزيد على مليار ونصف المليار مسلم من مختلف أنحاء العالم، وتحديدًا "القضية الفلسطينية" حيث كرست جهودها لنصرتها، وعدّتها قضيتها المركزية.
ولكون المملكة العربية السعودية قلب العالم الإسلامي، حيث تحتضن الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، يقع المقر الرئيس لمنظمة التعاون الإسلامي في مدينة جدة، وتضم في عضويتها سبعًا وخمسين دولةً موجودةً في أربع قارات.
ويعود تاريخ بدء انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي لقادة دول وحكومات منظمة التعاون الإسلامي إلى سبتمبر عام 1969م، حيث عقدت في العاصمة المغربية الرباط، تلبية لدعوة الملك الحسن الثاني -رحمه الله- على إثر المحاولة الآثمة لحرق المسجد الأقصى المبارك، وتلبيةً للنداء الذي وجهه الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وكان من ثمرات هذا المؤتمر قيام منظمة المؤتمر الإسلامي.
وطبقًا لميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي الذي وقع في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية عام 1972 م، من قبل ممثلي الدول المؤسسة وعددها آنذاك ثلاثون دولة إسلامية، فإن مؤتمر الملوك والرؤساء وهو الجهاز الأعلى للمنظمة، ويتم عقده كل ثلاث سنوات أو كلما تقتضي مصلحة الأمة الإسلامية؛ للنظر في القضايا العليا التي تهم العالم الإسلامي وتنسيق سياسة المنظمة تبعًا لذلك.
وعقدت المنظمة منذ بدء أول اجتماع لها أربع عشرة قمة إسلامية، إضافة إلى اجتماعاتها الاستثنائية والطارئة، التي تصل إلى أكثر من 20 اجتماعًا لوزراء خارجية الدول الأعضاء.
ونظرًا لأهمية "القضية الفلسطينية" في العالم الإسلامي التي تأسست المنظمة من أجلها، فقد كانت عُنوانًا رئيسًا لعدد من القمم العادية والاستثنائية والطارئة، وقد عقد مؤتمر القمة الإسلامي الثاني في مدينة لاهـور بجمهورية باكستان الإسلامية في فبراير 1974 م، وسجل بيانه الختامي التقدير والاعتزاز للتضحيات البطولية التي قدمها الشعب الفلسطيني ودول المواجهة العربية التي تجابه المعتدي الصهيوني.
واتخذت قمة مكة المكرمة التي عقدت عام 1981م "دورة فلسطين والقدس الشريف" شعارًا لها والتي أكدت دعمها للقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني.
كما استضافت الكويت مؤتمر القمة الإسلامي الخامس في يناير1987م، الذي اعتمد قرارًا يؤكد أن فلسطين هي جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، وأن السلام العادل والشامل في المنطقة لا يمكن أن يقوم إلا على أساس انسحاب العدو الصهيوني الكامل وغير المشروط من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، واستعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير ، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة فوق ترابه الوطني.
وكان عنوان مؤتمر القمة الإسلامية السادس ديسمبر 1991م في العاصمة السنغالية دكار "دورة القدس الشريف والوئام والوحدة" الذي أكد أن القضية الفلسطينية هي قضية المسلمين الأولى، وجوهر النزاع العربي - الإسرائيلي.
وأكدت الدورة الثامنة لمؤتمر القمة الإسلامي التي أقيمت في طهران 1997 أن قضية فلسطين والقدس الشريف هي قضية المسلمين الأولى، معربة عن تضامنها الكامل مع منظمة التحرير الفلسطينية في نضالها العادل من أجل تحقيق الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على أرض وطنه وعاصمتها القدس الشريف.
وفي مايو 2001 عقد وزراء خارجية الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي مؤتمرًا إسلاميًا طارئًا في الدوحة صدر عنه بيان حيا فيه انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأكد دعمه ومساندته وتأييده السياسي والمادي للصمود الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وعاود المؤتمر انعقاده في ديسمبر 2001م على مستوى وزراء الخارجية للدول الأعضاء في الدوحة أدان فيه قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف المدن والقرى والمخيمات ومقرات السلطة الفلسطينية.
وأكدت الدورة العاشرة لمؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد في بوترا جايا بماليزيا أكتوبر 2003م ضرورة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وضرورة تطبيق جميع القرارات الدولية المتعلقة بقضية فلسطين.
وصدر عن الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي بمقر الأمم المتحدة في نيويورك أكتوبر 2015م قرار يؤكد السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية، ورفض الأمة الإسلامية وإدانتها لإجراءات سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وتصميمها على منع وإبطال الإجراءات الإسرائيلية كونها إجراءات باطلة ومدانة وغير قانونية وتنتهك القانون الدولي والمواثيق والقرارات الدولية.
وفي اجتماع استثنائي لمجلس وزراء خارجية في كوالالمبور 2017م تم التأكيد فيه مجددًا على مركزية قضية فلسطين بالنسبة للدول الأعضاء في المنظمة، وإدانته المطلقة لجميع الأنشطة الاستيطانية غير الشرعية القانونية التي تقوم بها إسرائيل، والإشارة إلى أهمية مركزية مدينة القدس الشريف وطابعها الديني والروحي.
وفي ديسمبر 2017م وخلال قمة إسلامية استثنائية عقدت في إسطنبول، رفض ملوك ورؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء بيان الإدارة الأمريكية غير القانوني بشأن وضع القدس وإدانته، معلنين أن هذا البيان باطل ولاغٍ من وجهة نظر الضمير والعدالة والتاريخ، شأنه في ذلك شأن قرار إسرائيل ضم القدس وتدابيرها وإجراءاتها هناك، وأكد البيان الختامي الاعتراف بدولة فلسطين، مشددًا على ما تكتسيه مناصرة قضية فلسطين والقدس الشريف من صبغة مركزية بالنسبة للبشرية جمعاء.
ودعت القمة الاستثنائية التي عقدت في إسطنبول مايو 2018م، لإنشاء لجنة خبراء دولية مستقلة للتحقيق في الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلية ضد المتظاهرين السلمين العزل في قطاع غزة.
وأكد البيان الختامي أهمية توفير الحماية الدولية للفلسطينيين من خلال إجراءات منها إرسال قوات دولية للحماية، مطالبة مجلس الأمن والجمعية العامة والأمين العام للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان باتخاذ التدابير اللازمة بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في الفظاعات التي ارتكبت في قطاع غزة.
وفي سبتمبر 2019 م صدر عن الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء الخارجية الذي عقد في مقر الأمانة العامة للمنظمة بجدة، بناءً على طلب المملكة العربية السعودية، بشأن "إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي عن نيته ضم أراض من الضفة الغربية المحتلة"، بيان جدد فيه الدعم المبدئي للشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية في السعي إلى نيل حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حقه في تقرير مصيره إقامة دولة فلسطين المستقلة وذات السيادة على خطوط 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشريف، وحق العودة للاجئين، مدينًا السياسات والممارسات والمخططات الاستعمارية لسلطة الاحتلال الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وشهدت القمة الإسلامية الرابعة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي، التي استضافتها مكة المكرمة مايو 2019، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله -، حضورًا تاريخيًا لافتًا بين القمم التي أقامتها المنظمة على مدى تاريخها.
وأكدت القمة مركزية قضية فلسطين، والقدس الشريف بالنسبة للأمة الإسلامية، مجددةً دعمها المبدئي والمتواصل على جميع المستويات للشعب الفلسطيني لنيل حقوقه الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف، بما فيها حقه في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وضرورة حماية حق العودة للاجئين، وموجهة أي إنكار لهذه الحقوق بكل قوة.
وفي سياق ذي صلة، عقد في 18 أكتوبر الماضي بمدينة جدة اجتماع استثنائي عاجل مفتوح العضوية للجنة التنفيذية لوزراء خارجية الدول الأعضاء لبحث العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني التي أكدت جميع القرارات الصادرة عن منظمة التعاون الإسلامي بشأن قضية فلسطين ومدينة القدس الشريف، وجددت تأكيد مركزية القضية الفلسطينية للأمة الإسلامية جمعاء، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف.
ودعت المنظمة في بيانها الختامي إلى الوقف الفوري للعدوان الهمجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والرفع الفوري للحصار المفروض على القطاع، مؤكدة إدانتها الشديدة لما يتعرض له المدنيون في قطاع غزة المحاصر وعموم الأرض الفلسطينية المحتلة، وحملت إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، المسؤولية الكاملة عن مصير المدنيين في قطاع غزة وما يتعرضون له من مأساة حقيقية تحت القصف والحصار والتجويع، مؤكدة رفضها القاطع لدعوات تهجير سكان قطاع غزة، وحذرت من تصاعد اعتداءات جيش الاحتلال الإسرائيلي وإرهاب المستوطنين المدعوم بالسلاح والحماية من قوات الاحتلال في القدس الشريف والضفة الغربية، مشددة على ضرورة توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، بما يتوافق مع معايير القانون الإنساني الدولي.
ولمكانة المملكة الكبيرة في العالم الإسلامي؛ ولدورها الريادي والمحوري منذ تأسيسها في خدمة الإسلام والمسلمين والدفاع عن قضاياهم في كل محفل، واستشعارًا بمسؤوليتها تجاه القضية الفلسطينية، وتأكيدًا على مركزية القضية الفلسطينية وأهمية بذل الجهود في سبيل إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، دعت بصفتها رئيس -القمة الإسلامية الحالية- منظمة التعاون الإسلامي لعقد قمة إسلامية استثنائية يوم غدٍ، في الرياض لمناقشة وبحث العدوان الإسرائيلي الغاشم على الشعب الفلسطيني الشقيق.
وإيمانًا بأهمية العمل الإسلامي المشترك لحل القضايا والأزمات التي تواجهها المنطقة والعالم، بادرت المملكة بالدعوة لقمة استثنائية؛ لتشكيل موقف موحد على مستوى العالم الإسلامي بالتشاور والتنسيق مع دولة فلسطين والدول الإسلامية الأخرى، كما أنها تأتي تأكيدًا على الثوابت والمرجعيات الدولية حول حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وفقًا لمبادرة السلام العربية.
واستمرارًا لمواقفها الثابتة، أكدت المملكة مرارًا رفضها وإدانتها لسياسية العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل على المدنيين، وعدم التزامها بالأعراف الدولية وقواعد الاشتباك المتعارف عليها في الحروب، وشنها هجمات عسكرية تستهدف المدنيين العزل، في مخالفة صارخة للقانون الدولي، حيث تعدُّ استهداف المدنيين وتدمير الأحياء السكنية والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والبنى التحتية، جرائم حرب يجب أن تواجهها الشرعية الدولية بحزم، وتطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته والعمل على وقف إطلاق النار وإيقاف آلة التدمير الإسرائيلية.
ولما تحظى به المملكة من مكانة وتقدير، لقيت دعوتها تجاوبًا كبيرًا من القيادات المشاركة، والنابعة من ثقتها في قدرة المملكة على قيادة العمل الإسلامي لاتخاذ موقف مشترك من الأحداث في قطاع غزة، وذلك لجهودها الحثيثة في التواصل مع الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة؛ بهدف تنسيق العمل الإسلامي والدولي المشترك الرامي لإيجاد السبل اللازمة لنزع فتيل التوتر في منطقة غزة بما يمنع مواصلة تدهور الأوضاع الإنسانية للشعب الفلسطيني وحماية المدنيين ورفع مُعاناتهم، وإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة والفورية.
وحرصًا على بذل كل ما مـن شأنه تخفيف التداعيات المأساوية التي يُعانيها سكّان قطاع غزة، وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظهما الله - بإطلاق الحملة الشعبية السعودية لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، عكس ذلك ما توليه قيادة المملكة من اهتمام بالغ بالوضع الإنساني في غزة.
وتتزامن القمة الاستثنائية مع استمرار دعوات المملكة للمجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته للوقف الفوري للعمليات العسكرية، والالتزام بالقانون الدولي الإنساني، ورفض التهجير القسري والحصار لسكان غزة، وتمكين المنظمات، من إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة والضرورية للمدنيين في قطاع غزة بدون عوائق.
كما ستسهم في تكثيف جهود الدول الإسلامية في مجلس الأمن والأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان لمواجهة العدوان الإسرائيلي من خلال الشرعية الدولية، وتحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن التصعيد وحالة عدم الاستقرار في المنطقة، نتيجة لإفشالها لجميع الجهود الرامية لتحقيق السلام العادل والشامل، كما تعد فرصة لتعزيز دعوة الدول الإسلامية للدول الغربية لنبذ ازدواجية المعايير في التعاطي مع القضية الفلسطينية، وتثمين المواقف العادلة لعدد من الدول الفاعلة على الساحة الدولية التي تدين الاعتداء الإسرائيلي.