في نسخته الـ 45، يحطّ رالي داكار رحاله في المملكة العربية السعودية للمرة الرابعة على التوالي، خلال الفترة من 31 ديسمبر الجاري وحتى 15 يناير2023، حيث يضرب السائقون موعداً مع تحديات قلّ مثيلها بين دول العالم، ومسار يذخر بمختلف أنواع التضاريس في صحراء السعودية الفريدة، ويمتد من الساحل إلى الساحل، ليربط بين لؤلؤة البحر الأحمر، ينبع، وعروس الخليج العربي، مدينة الدمام.
ويخوض السائقون على مدار 16 يوماً أقسى التجارب في رياضة المحركات، حيث يدفع السباقُ المشاركين به إلى أقصى حدودهم البدنية والذهنية، بينما ينطلقون بمركباتهم في تحدٍّ ضد الصحراء المهيبة للمملكة بتضاريسها القاسية لأكثر من 8500 كيلومتر، وعلى طول مساره ، يسلط رالي داكار الضوء على مزيج فريد من المناظر الطبيعية الخلابة في المملكة، والتي تمنحه النكهة المرغوبة ليكون بمثابة الرحلة الاستكشافية للجمال الأصيل لصحاري المملكة وروعة مدنها وتاريخها العريق.
وتحرص جماهير غفيرة من مختلف دول العالم على متابعة هذا السباق سواء بالحضور أو عبر القنوات الفضائية التي تنقله أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما سيتيح لها اكتشاف جمال الطبيعة وسحر التضاريس والجبال في المملكة، وتسليط الضوء على التنوع الذي تتميز به طبيعة المملكة المتفردة طوال المسار، من الشعاب المرجانية الخلابة قبالة سواحل ينبع، ومعابد الحجر القديمة في العلا، ووجهة عشاق المغامرة في الصحراء والجبال المهيبة مدينة حائل، وصولاً إلى العاصمة الرياض بحداثتها التي تمتزج بعبق الماضي، وسوق القيصرية التاريخي في الهفوف والمركز الثقافي في الدمام.
أبرز محطات مسار رالي داكار السعودية 2023
ينبع (المرحلة التمهيدية والمرحلة الأولى)
يبدأ السائقون رحلتهم في مدينة ينبع الساحلية المطلة على البحر الأحمر. تتمتع المدينة بتاريخ غني ونشاط بشري منذ قرون طويلة وتنقسم إلى قسمين: المدينة القديمة إلى الشمال، والتي تعد محطة مهمة على طريق التجارة القديم الذي كانت تستخدمه القوافل لنقل البخور والتوابل، وهي موطن لميناء مزدهر وحيوي، أما "المدينة الجديدة" في الجنوب فهي مركز صناعي يشتهر بالمصانع ومصافي النفط والسياحة والإطلالة البهية على ساحل البحر.
ولقربها من أحد أجمل المناطق البحرية وأكثرها تنوعاً في العالم، تعد ينبع واحدة من أجمل مواقع الغوص في العالم، كما تشتهر المنطقة الرياضات المائية والمأكولات البحرية. ذلك أن مياه البحر الأحمر الفيروزية تكتنز في أعماقها أحياء بحرية مذهلة من أسماك متنوعة وشعاب مرجانية، فمنطقة خليج شرم ينبع غنية بالشعاب المرجانية، وهي وجهة للغواصين وتشتهر بالرياضات المائية واستئجار اليخوت. بالنسبة لمحبي الطعام، تقدم منطقة الميناء القديمة أفضل النكهات المحلية التي تقدم ألذ الأسماك الطازجة مع إطلالة ساحلية ساحرة.
وتلتزم الهيئة الملكية لينبع الصناعية برؤية الاستدامة البيئية كما أن تشجير مدينة ينبع الصناعية من أولويات الهيئة الملكية، وتشتهر المدينة ببحيرتها الصناعية والتي تعد واحدة من أكبر البحيرات الصناعية في المملكة، ووجهة سياحية جميلة تغلفها نباتات من جميع أنحاء العالم، وتزدان بعناصر مميزة تشكل متنفساً للضيوف لقضاء أوقات ترفيهية ممتعة على ضفافها.
العلا (المرحلتين الثانية والثالثة)
تقع محافظة العلا في شمال غرب المملكة، وتحمل قيمة تاريخية وموروث إنساني وحضاري يضرب بجذوره عمق التاريخ، وأصول ثقافية وطبيعية صاغتها حضارات متعاقبة منذ أكثر من 200 ألف عام، وكانت مقصداً لرحلات الرحالة والمستكشفين، ولا تزال حتى اليوم أحد أهم مواقع الاستكشافات التاريخية نظير ما تختزنه من آثار.
وهي موطن لموقع الحجر الأثري، وهو الموقع الأكثر شهرة في محافظة العُلا، وأحد إبداعات الحضارة النبطية، وأول موقع في المملكة يتم إدراجه ضمن قائمة منظمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، والذي كان بمثابة المدينة الجنوبية الرئيسية لمملكة الأنباط.
وتحتوي العلا على مئات النقوش الأثرية التي يعود تاريخها إلى الحضارات القديمة، بينما يُعد جبل عكمة واحداً من أكبر المكتبات المفتوحة في المملكة التي تحتوي على كتابات ونقوش أثرية هي الأهم، حيث يوجد به نقوش ورسوم تعود إلى الحضارتين الدّيدانيّة واللّحيانيّة.
جبل الفيل، أحد العجائب الجيولوجية في الصحراء الذهبية في العُلا، وهو عبارة عن صخرة عملاقة بارتفاع 171 متر من الحجر الرملي الطبيعي وتتميز بشكلها الفريد الذي يشبه فيلًا يُلامس خرطومه الأرض، ونُحت بفعل قوة الطبيعة على مدار ملايين السنين من عوامل الحتّ والتعرية بالرياح والماء.
وعلى عكس الصحراء الجافة المحيطة بها، تتمتع واحة العلا المورقة بتاريخ عريق كوجهة للراحة والاسترخاء، كما تحمي المظلة الخضراء لنخيل التمر السكان من عناصر الطقس، وتزدهر مجموعة متنوعة من المحاصيل في التربة الخصبة، حيث تستمر الواحة في تغذية الحياة وسط الصحراء.
حائل (المراحل الثالثة والرابعة والخامسة)
كانت حائل لعدّة سنوات محطة مهمة على الطريق التجاري الذي يربط البحر الأحمر ببلاد ما بين النهرَين، ومكاناً للتجارة، والراحة والعبور، ما رسّخ في المدينة شعوراً ترحيبياً يطغى على نمط الحياة فيها، وتقع حائل بين جبل شمر شمالاً وجبل سلمى جنوباً، وكانت في يوم ما عاصمة كافة الصحراء العربية وموطناً لأساطير مثل حاتم الطائي، الشاعر العربي الذي ذاع صيته من خلال قصص مثل ألف ليلة وليلة. أما اليوم، فهي عاصمة المنطقة الشمالية الوسطى والتي تحمل الاسم نفسه.
وتذخر منطقة حائل بالعديد من المواقع الأثرية والتاريخية، وتشتهر بشكل خاص بالعديد من الألواح الصخرية المغطاة بفن النحت على الصخور، وتضم حائل أبرز مواقع التراث العالمي التي ربما تكون إحدى الوجهات للزوار والسياح القادمين لـرالي داكار، لا سيما أن حائل تحتضن أكثر من 370 موقعاً أثرياً.
ويُعدّ موقع جبة من أهم وأكبر المواقع الأثرية في السعودية، حيث يمتد تاريخها إلى أكثر من 10 آلاف سنة قبل الميلاد، ويعد أحد المواقع الأثرية في المملكة التي تم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو"، ويُعتبر موقع جذب سياحي للمنطقة، حيث جذب طيلة السنوات الماضية آلاف الزوار العرب والأجانب من داخل المملكة وخارجها من المهتمين بالتراث.
وتجذب منطقة شمال المدينة حائل المغامرين بمتاهتها المعقدة من الكثبان الرملية الحمراء الجميلة ليعيشوا رحلة نهارية مبهجة لا مثيل لها، وتجربة القليل مما يواجهه أساطير رالي داكار السعودية.
تشكل الصحراء التي تبلغ مساحتها 40 ألف كيلومتر مربع ثلث منطقة حائل وهي جزء مهم من الهوية الثقافية للمنطقة. وفي فصل الربيع من كل عام، تستضيف حائل مهرجان الصحراء، للاحتفال بتراث المنطقة وثقافتها.
وتشتهر حائل بالأطباق العريقة المتوارثة عبر الأجيال في منطقة تعبق بالتاريخ. ومن السهل هنا العثور على الأطعمة التقليدية مثل الكبيباء اللذيذة (أوراق العنب المحشوة بالبهارات)، والثريد (اليخنة الدافئة) والمراصيع اللذيذة (الفطائر الخفيفة)، والمليحي.
الرياض (المرحلتين الثامنة والتاسعة)
عُرفت الرياض قديماً باسم "حجر اليمامة"، وهي عاصمة المملكة العربية السعودية وأكبر مدنها، وتجذب نحو 5 ملايين سائح سنوياً، ما يجعلها المدينة سادس أكثر المدن زيارةً في منطقة الشرق الأوسط.
وتجذب الرياض الزائرين المهتمين بالتاريخ الحديث، لأهيمتها التاريخية والسياسية والتجارية وكنوزها التاريخية التي تقف الآن شاهدة على عراقتها، مثل قلعة المصمك (المعروفة أيضاً باسم قصر المصمك) والتي يزيد عمرها عن 150 عاماً وتقع في قلب الحي القديم. وكان هذا منزل الملك عبد العزيز عام 1902 عندما وحد الممالك المختلفة وشكّل المملكة العربية السعودية المعروفة اليوم. وأصبح المبنى الذي تم ترميمه الآن متحفاً، وهو وجهة مفضلة لدى السائحين للتعرف على العمارة القديمة لمدينة الرياض، وسط أجواء تعيد الزائر لتاريخٍ أذن بميلاد جديد للدولة.
ويقصد الزوار الرياض أيضاً لاكتشاف عوالم من التسوق والترفيه والأعمال، والتجارب المتميزة في هذه المدينة النابضة بالحياة، لا سيما برج المملكة الذي يبلغ ارتفاعه 993 قدماً ويشكل محور أفق الرياض المتنامي ومن جسر برج المملكة المعلّق، تنجذب عيناك نحو إطلالة بانورامية تكشف جمال مدينة الرياض، كما يمكن للضيوف التسوق في أرقى المحلات العالمية والمحلية داخل مركز برج المملكة، أو الاستمتاع بأشهى المأكولات أو حجز إقامة في فندق فور سيزونز الموجود داخل البرج.
وتحظى العاصمة بالعديد من المشاريع الرامية إلى الارتقاء بها للوصول بها إلى مصاف المدن العالمية العملاقة، حيث تستشرف مستقبلاً تنموياً يفوق التوقعات، رسمت ملاحمه رؤية وطنية طموحة تدفع بالمدينة لتكون عاصمة نموذجية، وتضمن لها تعزيز مكانتها الثقافية والرياضية والاقتصادية والبيئية والفنية، وعلى رأسها مشروع حديقة الملك سلمان والتي تعد أكبر حدائق المدن في العالم وتقدم مجموعة واسعة من الخيارات والأنشطة النوعية لسكان المدينة وزائريها، حيث تضم مناطق خضراء ممتدة وأكثر من مليون شجرة، وساحات مفتوحة تزيد مساحتها عن 11.6 كيلومتر متر مربع، إضافة إلى المجمع الملكي للفنون والمسرح الوطني ومسار دائري للمشاة بطول 7.2 كيلو متر، ومنطقة "الوادي" التي تتوسط الحديقة ومجموعة من العناصر المائية والمعالم والأيقونات الفنية.
وعلى صعيد البنية التحتية، يُعد مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام بمدينة الرياض إحدى الخطط الطموحة لتوفير حلول متكاملة للنقل العام في العاصمة وتزويد سكان المدينة وزوراها شبكة نقل عام سريعة وفق أحدث التقنيات العالمية، مما يوفر خيارات تنقّل اقتصادية تسهم في الحد من الاستخدام المفرط للمركبات الخاصة وتعزيز الاقتصاد المحلي والمحافظة على البيئة إضافةً إلى تسهيل حركة المرور وربط مختلف أجزاء المدينة من خلال شبكة عملاقة تتكامل فيها خدمات النقل بالقطارات والحافلات بقدرة استيعابية تقدر بـ 1.7 مليون راكب يومياً خلال مرحلة التشغيل الأولية.
كما عززت المدينة من اهتمامها البيئي من خلال مشروع "الرياض الخضراء" وهو أحد أكثر مشاريع التشجير طموحاً في العالم، ويهدف إلى زيادة نسبة المساحات الخضراء من 1.5% حالياً إلى 9% من إجمالي مساحة مدينة الرياض، وينطوي المشروع على زراعة أكثر من 7.5 مليون شجرة في أنحاء مدينة الرياض كافة. وعلى الصعيد الثقافي، يعني مشروع "الرياض آرت" بتحويل العاصمة إلى معرض فني مفتوح يمزج بين الأصالة والمعاصرة، بوصف الفنون إفرازاً لثقافة مجتمع، وتأصيلاً لجوانب تراثية وحضارية، ويشتمل المشروع على تنفيذ أكثر من ألف عملٍ ومعلمٍ فني في مختلف أرجاء العاصمة الرياض، بالإضافة إلى تنفيذ المعالم والأيقونات الفنية على أيدي مبدعين وفنانين سعوديين وعالميين.
الربع الخالي (المرحلتين الحادية عشر والثانية عشر)
صحراء الربع الخالي هي أكبر صحراء رملية وأكثرها جفافاً في العالم، وتمتد على مساحة أكبر من فرنسا، ويصل معدل الأمطار بها إلى 1.2 بوصة فقط سنوياً. وستسضيف المنطقة مرحلة الماراثون لرالي داكار السعودية، حيث لن يتمكن السائقون من تلقي المساعدة من فرقهم.
وللاستمتاع بتجربة عربية حقيقية، يمكن للزوار الاستمتاع بالتخييم بين الكثبان الرملية - ولكن يجب التأكد من توافر مصدر للدفء حيث تصبح الصحراء شديدة البرودة في الليل. من المعتاد أن تكون نار المخيم وتناول المشويات العربية وشرب حليب الإبل الدافئ أو القهوة السعودية هي مصدر الدفء أثناء التخييم.
يقوم العديد من مشغلي خدمات التخييم أيضًا بترتيب رحلات خاصة عبر الصحراء على الجمال العربية. ولأكثر من 3000 عام، كانت الإبل عنصراً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط، حيث تنقل البضائع والأشخاص وتوفر الحليب واللحوم.
الهفوف (المرحلة الثالثة عشر)
تعتبر مدينة الهفوف مدينة حضرية كبرى في واحة الأحساء شرقي المملكة، وتشتهر عالمياً بتمورها، كونها من أكبر منتجي الفاكهة في العالم بأسره.
وعند التوجه إلى وسط المدينة، سيبرز للزوار أشهر الأسواق التاريخية في المملكة: سوق القيصرية الذي يضم أكثر من 400 متجر تقليدي. يُعتقد أنه تم بناءه في العام 1822، وتبلغ مساحته 7000 متر مربع وانضم إلى مواقع التراث العالمي لليونيسكو في العام 2018. يمكنك هنا شراء المنسوجات والملابس المصنوعة يدوياً والشموع العطرية ومختلف أنواع المأكولات والتوابل والتحف والحرف اليدوية وغيرها.
ويمكن للزوار الباحثين عن التاريخ أو الثقافة زيارة مسجد جواثا، الذي يُشاع أنه كان أول مسجد في شرق الجزيرة العربية وثاني مسجد في الإسلام صُليت فيه صلاة الجمعة بعد مسجد الجمعة، ويحمل المسجد إرثاً تاريخياً حضارياً وثقافياً وإسلامياً للمملكة بشكل عام والمنطقة الشرقية بشكل خاص، ولا تزال قواعده منذ تلك الحقبة من الزمن قائمة إلى وقتنا الحاضر، وقد تآكل بعضها عبر الأحداث التي تعاقبت على شبه الجزيرة العربية، ولكن تم ترميمه مؤخراً. يمكن للزوار زيارة المسجد في غير أوقات الصلاة فقط.
الدمام (المرحلة الرابعة عشر)
تقع الدمام على ساحل الخليج العربي، وهي عاصمة المنطقة الشرقية، وتتميز بحداثتها وإطلالتها الساحلية الخلابة. الدمام هي خامس مدينة من حيث عدد السكان في المملكة العربية السعودية، وتضم أكثر من 1.5 مليون نسمة. استقرت بها قبيلة الدواسر في عام 1923، وكانت المنطقة تستخدم في السابق كقرية صغيرة لصيد الأسماك. واليوم، تشتهر بمساحاتها الخضراء وواجهاتها البحرية وبشهرة متنامية كوجهة للفنون والثقافة والرياضة والترفيه.
في وسط المدينة، يقف مركز الملك عبد العزيز للثقافة العالمية، المعروف باسم إثراء، بتصميمه المعماري المميز والذي أضحى رمزاً للنهضة الثقافية السعودية. ويضم المبنى المترامي الأطراف مسرحًا ومكتبة وسينما وصالات عرض ومتحفًا، إلى جانب مجموعة كبيرة من الأنشطة التفاعلية للأطفال. تقدم جولة رحلة "إثراء"، التي تستغرق 30 دقيقة سيرًا على الأقدام، لمحة عامة مثالية للمجمع.
وبعد يوم طويل، توفر الواجهة البحرية في الخبر مكانًا مفضلاً للأسرة. هنا، يمكن للضيوف مشاهدة غروب الشمس على طول الواجهة البحرية، والتي تحيط بها الحدائق ذات المناظر الطبيعية والعديد من خيارات المطاعم والمقاهي.
وعلى بُعد مسافة قصيرة بالسيارة جنوب الدمام، يقع خليج نصف القمر والذي يعد وجهة للاستجمام للعائلة، حيث توفر مداخل الخليج الضحلة والهادئة موقعاً مثالياً لتعلم الغوص والغوص في المياه الدافئة.