أستنزفُ الكلام العذب من دمي ، كي أكتبُ شوقي و حنيني ، وأكتبُ ضياعي في أوراقٍ مُهددةً بالتمزّق ..
أقضي ساعات الليل أكتبُ رسائل عتاب رقيقة ، و يولجُ النهار و أمحي كل ما كُتب ، و دون مللٍ أو يأس؛ أُكرّرُ هذه العادة كل ليلة .
محبرتي جفّت ، وأنا لا أزالُ أدُسّ كتاباتي في سراديبٍ بنيتُها خصيصاً لإحتباس نثري و أوراقي المُشققة ...
أعجزُ عن إستحضار مشاعري كما هي الأن تحرقُ أضلعي .
أعجزُ عن إيجاد ضالتي المنشودة : إبتسامتي الجميلة .
كلما حاصرتُ ورقةٌ بيضاء تعاقبت عليّ ظلماتي و خرائبي ، فأفجّر عنفوان أصابعي عليها .
أكتبُ بكامل غضبي و قسوتي ؛ فلا يمكنني إيجاد غير الأوراق تحتملُ غيضي .
و أهبطُ إلى قاعي نحو سرْدابي المدفون لأرى قصصي و رواياتي الصماء فتثيرُني الدهشة على كل تلك السطور المُخيفة، و أتسأل : كيف لي الكتابة بهذا الكمّ من اليأس ؟ و أنا أدري و لا أدري !
لكن هناك ثمّة إرادةٌ خلف هذه الأحرف فرغم اليأس أجدُ ومضةُ أمل ، و رغم الإِختلال أجدُ توازنٌ و استمراراً على ممارستي لحياتي البعيدة عن ألسنة الناس الشفافة ...
دمي المستنزف، و محبرتي الجافّة، و أوراقي المذعورة ، و أصابعي العملاقة ، و سراديبي السرّية ، جميعها هواياتي اليلية التي لا يمكنني التخلّي عنها...
فكل هذه الأشياء ستعيشُ إلى الأبد ، حتى بعد موتي .
و شوقي و حنيني و ضياعي سيمحيهِ الله مع مر العصور.
و كلما بذلتُ مجهوداً في الكتابة أتعرّق عطراً يفوحُ إلى بر الأمان لأحضن الوطن الذي يبكي في صدري ..
و يتساقطُ الياسمين على وجهي لأبتسم و أكسرْ روح الحزن الساكن في عيني ...