إعتقدت أنه بمجرد الإنفراد بكتاب ما والغوص في قراءته وفهم عمق ما يحتويه من حكم ووقائع حياتية، فأنا هنا وفي هذه اللحظة أصبح من فئة المثقفين والمشبعة عقولهم بالمعرفة ، اعتقدت أن معرفة حضارات الدول الأخرى وإنجازاتهم والصعوبات التي واجهوها للوصول لمبتغاهم والنجاح الباهر الذي هم فيه الآن سيصنع مني عقل متحضر وواعي لما يدور بجواره من أحداث ، كنت أنبهر وأشيد بإنجازاتهم وحياتهم الغربية البسيطة بنظري القصير آنذاك ، وفي الحقيقة كنت غافلًا وجاهلًا في كل مرة أمسك بكتاب وأقرأه بنشوة دون أن أشعر أنني جائع وفقير لوطني ولتاريخه وحضاراته وإنجازاته في كل سطر أغيم جزء مني قطعة من روحي ولدت لأفخر بها وأغوص في تفاصيلها الرائعة ، لم أعي أنني في فترة ما من حياتي كنت ساذجًا لدرجة تجاهل أو عدم ملاحظة ما حولي من جمال كيف لعيني أن تلوح بنظرها للبعيد وهي محاطة بكل هذه الإنجازات والنجاحات والتاريخ العريق ، كيف لأحرفي أن تنطق على سطور لم تسطر هذا المجد كنت وطن بلا هوية يبحث عن تعزيزات من غيره ويلجأ لقراءة غيره ليشعر أنه على قيد الحياة ولا زال على هذه الأرض يتنفس ولكن في الواقع كنت غريبًا حتى وجدت هذه الهوية الضائعة واحتويتها بكل تفاصيلها حتى سعيت معها إلى المجد والنجاح أصبحت مغرورًا بها وبذكائي المتأخر لكشفها وولادتها للنور.
هل زاد فضولك لمعرفة أي وطن أتكلم عنه ؟
أنه أنت الوطن لنفسك وروحك لو إختليت بنفسك مرة لعرفت لماذا أشيد بها وأمجدها في هذه السطور لأنها أستحقت كل هذا فعلًا، أبحر في عمق جوفك وأنظر لذاتك على أنها وطنك الصغير الذي يستحق منك وقفة للإهتمام به وتجاهل حياة الآخرين فلن ينالك منها سوى الفشل والإحباط.