الخذلان..
أتذْكرُ حين كنتَ بساقيكَ تمشي؟
أتذْكر حين كنتَ بيديكَ تُمسك؟
حينما كنتَ تملكُ الدنيا بأكملها؟
وبحقِّ عقلك الصغير كنتَ تظنُّ أنَّ كلَّ شيءٍ دائم،وكلَّ هذا النعيم لن يزول،كانت الإبتسامة لاتفارق شفتاك والفرح لايفارق قلبك الصغير..
وماإن كبرت قليلاً،إنقلبت عليك الدنيا وماإن بلغتَ من العمر الثانية عشر، كسرت إحدى ساقيك وبت تبكي تلك الليلة وكأنه لايوجد أحدٌ في الدنيا مرَّ بما مررت به،كأن مصائب الدنيا كلها لاشيءَ عند مصيبتك..
بكيت حينها كثيراً!
لكن البكاءُ لم يُعِد مافقدت وقلت في نفسك بعد يأس طويل إن كُسرت ساقي فلي ساقٌ أخرى
والحمدلله..
كنت بين الناس تمشي بساقٍ واحدة ويدان لايفارقهما عقازك وكنتَ في أتم الرضى..
وما إن إعتدت على هذا الرضى وبلغت من العمر الرابعة عشر إلا وكسِرت ساقك الأخرى وسألت نفسك حينئذ!
هل هناك من مرَّ بما مررت به؟
وسرعان ماتجيبُك نفسك! بلا وألف لا
وبكيت كما فعلت في المرة الأولى حينما كسرت ساقك اليسرى والآن تتعبها اليمنى..
يارب لطفك بي
يارب إن كان بسبب ذنوبي فأغفرها لي ولاتعذبني بها
بتَّ تبكي بالأيام وتسأل نفسك!
ماكلُّ هذا الخذلان؟
فصبرت وقلت،إن ذهبت ساقيَّ فليَ يدين أمسك بها
والحمدلله..
ما إن اعتدت على هذا الرضى وبلغت من العمر السادسة عشر إلا وكسرت إحدى يديك ومازلت تحمد ربك وتقول إن ذهب هذا فلي هذا..
وما إن بلغت من العمر الثامنة عشر إلاوكسرت يدك الأخرى ولم تبكِ حينئذ فقد بتَّ بلا شعور ولسان حالك يقول
الحمدلله على كلِّ حال..
الحمدلله على النِّعم..
الحمدلله على النِّقم..
هكذا الخذلان يكون
يأتيك من البعيد إن لم يكن من أقربهم إليك حتى يتجرد قلبك منهم ،
وتمشي بينهم وأنت تردد
(الله ربِي لا أريد سواه)