إنها ممرات ومفترقات ، رحلة سفر ورحلة عودة من طريق مُتعب ، مليئة هذه الحياة بالمواقف السعيدة والتعيسة..
تصفعك أحياناً لتتعلم ، تقسى ليس لأنها تكرهك بل لتتناول دروس لم تتعلمها في حصص مدرستك.
يا بني... قبل سنوات عديدة ، كنت لا أفقه شيء في الحياة ، سوى الرسم الذي كان أبي منذ طفولتي يُشجعني عليه ، كنت شغوفاً للنظر إلى مسلسلي المفضل ولو أعدت تشغيله أكثر من مرة ، كنت أحب اللعب بكرة اللقدم..
كنت أرى أن البشر لا فرق بينهم ، وأن الحياة ممتعة لا تحمل حزن في جعبتها..
لكنها صفعتني ! ، وجرت قميصي ، ودفعتني بقوة وجعلتني أسقط..
...
ولمَ كل ذلك..؟
كل ذلك حصل عندما فقدت بصري ، لم يبقى لي صديق ، سوى عكازتي !
أندهشت بتخلي الأشياء والأشخاص عني ، كنت أتوقع أن العمى جرثومة قاتلة تَسم بدن كل من حولي!
نفر الجميع بحجة الإنشغال ، يظنوا أن فقداني لبصري أفقد إحساسي!
تركت تعليمي ، وأغلقت على نفسي باب غرفتي ، كنت أجلس بجانب النافذة طوال الوقت ، لكي أسمع أبناء الجيران وهم يلعبون بالكرة ، تهاتفهم لبعض ، وضحكاتهم التي تشعرني بالشفقة على نفسي
كنت أعتكف على المذياع ، وأراقب العالم من سمعي
كان أبي يخشى علي من أدنى أذئ
وأمي تحرص على قلبي..
...
كيف تحرص على قلبك..؟
كنت إذا أرتديت جواربي ، أحب أن ألبسها مقلوبة وأذهب إلى أمي واسألها هل ألوانهم تشبه بعض..؟
ترد قائلة: نعم يا بني
رغم أنها رأت أنها مقلوبة ، لا يتوقف الأمر على هذا فقط !
كانت توصف لي الأماكن التي أكون فيها
توصف وقلبي يلتقط الصور التي توصفها..
كنت عندما أضع رأسي على الوسادة أتساءل!!
أين الذين كانوا بجانبي يوماً ؟
أين شدة أيديهم ليداي !؟؟
وأين نُفضت أيديهم عندما يتسخ بنطالي بسبب سقوطي على التربة..
أتظن لهم الحق في تركك وإفلآت أيديهم وصحبتهم لك..؟
- نعم لهم الحق !
لأنهم جاهلون ومكفوفون البصيرة.!