• ×

قائمة

Rss قاريء

قصة “على ذلك الكرسي”

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
نبراس-بنان عبدالله بركي 

هناك على حافة ذلك الطريق كانت تجلس دوماً … فقيرة ، شاحبة الوجه ، طاعنة في السن ، ملابسها مُتسخة .. وممزقة حالها يُرثى له..
بجانبها صندوق صغير توضع فيه بعض الحسنات .. من المارة .. وبيدها كتاب الله تؤنس به وحدتها … تجلس قبل بزوغ الفجر وحتى غروب الشمس ..
تجمع ما يسد جوعها ورمقها .. أراقبها دوماً .. من على ذلك الكرسي من بعيد
مر يوم ولم تظهر أبداً .. يومان وثلاثة أيام .. افتقدتها .. لاأجد بها أثراً . تملكني الخوف عليها … والسؤال بلا إجابة .. انشغل تفكيري بها … والوسواس اختطفني … أخطو بأقدامي بين الثقل والهرولة .. كحالة توقف في المنتصف .. ذهاباً وإياباً أسأل المارة . من منكم يعرفها .. من منكم يعرف أين تسكن ؟! أردت بشدة أن أعرف ماذا حل بها !؟

وقفت مسندة ظهري على ذلك الحائط المتعرج .. كتجاعيد وجهها البائسة .. وملامح الحزن ترافقني كصديقة .. إلى إن جاءت فتاة حالها كحال العجوز نظرت إلي وابتسمت
وقالت : ما بك ؟! لماذا البؤس ؟ ولم تضعين هموم الدنيا على رأسك ؟ أتركيها خلفك فالدنيا لا تستحق كل هذا .

فتاة صغيرة وحالها سيء وتخبرني بأن أترك الدنيا خلفي !! تعجبت .. وأصبح تفكيري شبه مشوش , صمتُ قليلاً , وقلت في نفسي هل من الممكن أن تعرفها ؟؟! سأسألها !
فقلت لها : كانت تأتي عجوز تجلس هنا … وأشرت بإصبعي للمكان على حافة الطريق ويرزقها الله على يد أهل الأحسان … ومنذ ثلاثة أيام لم أرها .. فهل تعرفين أين تقطن ؟!

قالت : نعم هل تريدين أن أدلك عليها ؟؟ فكما ترين حالي كحالها فكيف لا أعرفها ؟!
لا أعرف أأحزن عليها أم أفرح لأني سأجد هذه المسكينة الفقيرة .. وبعد بهة صمت .. قلت : نعم وبسرعة
تبعت خطواتها البسيطة … إلى أن دخلت قرية على أطراف المدينة .. شبه خالية , سكانها فقراء , بيوت مهدمة , أبواب مكسرة , لا يجدون حتى خصوصية تقيهم العيون
أصوات بكاء الأطفال تتعالى وتزاحم مواء القطط , وأصوات العلب الفارغة في زوايا المكان كصوت الرياح , إلى أن وصلت لبيتها ..
لا يوجد باب بل قطعة قماش تستر ما في الداخل … استاذنت ودخلت و إذا بطفلين على الأرض يلتقطان قطعاً من خبر ناشف .. نظرت إليهم سألتهم أين تلك العجوز ؟ هل هي والدتكم ؟ فإذا بإصبع أحدهما يشير إلى تلك الغرفة
خطوة تجتر خطوة أخرى إلى أن وصلت .. وإذا بالعجوز مستلقية على الأرض وتبدو عليها أعراض المرض والإعياء .. فعرفت حينها لماذا فقدتها < عيناي >

إقتربت منها .. فأمسكت يدي للوهلة الأولى اندهشت ! قالت وجهك ليس غريباً علي فأنت التي كنت تراقبينني دوماً , وأنا على ذلك الكرسي من بعيد سألتها ؟ ما بك ؟!

وبدمع يسيل على الخدين وببساطة وشفافية لم أتوقعها قالت : لم أستطع توفير الدواء من الحسنات التي جمعتها خلال الأيام الماضية , فما جمعته يا أبنتي قليل لا يكفي ..
فسألتها : ومن الطفلين الذين يأكلان فتات الخبز الملقى على الأرض
أخبرتني : بأنهما طفلاها , فقد حَملت عن كِبر وليس بمقدورها توفير لقمة العيش لهما بعد أن فارق زوجها الحياة بسبب الفقر والمرض فأخرجت من حقيبتي مبلغاً وقلت لها : تفضلي هذا مبلغ بسيط فلتضعيه على ما لديك واشتري دواءك والباقي سيكون طعام لسد جوعك وجوع صغارك , وبالنسبة لي كل ثلاث أيام من الأسبوع سأقوم بالمرور عليك لأعطيك ما تيسر من رزق الله ..
فرحت بشدة لدرجة أنها لم تستطع الكلام , لم أخرج من تلك الغرفة إلا و قد دعت بأدعية تنبع من قلب إمرأة طاعنة في السن أتعبتها هموم الدنيا ..
للتقييم، فضلا تسجيل   دخول
 0  0  488

التعليقات ( 0 )