في هذه اللحظة:
هناك صنابير مفتوحة قد هجرها الماء منذ زمن طويل؛ معاطف ملقاة على الرف قد حضنتها أتربة تخلى عنها أصحابها حينما أنهكهم صقيع الشتاء، وعصفور حزين في ركن قفصه بمنزلٍ مهجور شارف على الموت؛ فلا ماءٌ ولا زادٌ يسد به جوعه،
محطة مكتظة بالناس، يقبعون فيها ليلا ونهارا ينتظرون من لا يأتي، زهورٌ على مجرى جدولٍ قاحلٍ ترتقبُ عتيقًا كان يلامسها ويغدق عليها من خيره... وذلك القمر المنير في الظلمة رغم حب الناس والدنيا له إلا أنه باقيًا مخلدًا ووحيدًا ،
وأين أنا من هؤلاء ! لستُ إلا ممثلٌا ً. لهم وربما قد يكونوا هم من يمثلونني،
بعيدٌ كل البعد، تغير كل شيء، لا شيء يبقَ على حاله..
أصبحتُ وحيدًا في شوارع مدينتي المزدحمة، أحمل جريدة الصباح فما تلبث إلا وتتركني بعد أن أُمليها قراءةً، وفنجال قهوتي ما عاد يحتضنني ويخبرني أنني ما زلتُ أتنفس حياتي الظلماء.