كل شيء يبدأ عندها وينتهي بها، وحين ينتهي منها سرعان ما يعود ويبدأ بها مرةً أخرى، وما أن تصل إليها حتى تعود من حيث بدأت هي الأول والمنتصف والأخير وكل شيء.
عجباً لأمر تلك القطعة الصغيرة جداً تلك القطعة اللينة المخفية عن العالم المرئي، تشكلها الحياة وتقوم الأرواح بدورها بتقليبها كيفما تشاء، وحدها تلك القطعة ولا أحد سواها قادر على هيمنة كل شعور، وفي أغلب الأحيان مستبدة تستحوذ على كل الأحاسيس تحملها معها بين جنبات جدرانها، كالبئر لا عمق لها، كالفارس المغوار لا يهاب المعارك وما يعتريه.
فتلك القطعة تمتلك كل جاذبية الكون فكل شيء وأي شيء ينصاع لها طوعاً هي ُتلغي كل الاحتمالات والفرضيات تكاد تكون قانوناً بحد ذاتها، كثيراً ما ُتحقق انتصاراتها حين َتسرقك من إنسانك وَتجول في أرجائك وَتستوطن فيك، بيدها خاتم سليمان تفعل المستحيل وما لا يستحيل هذا ِشق منها، أما الشِقُ الآخر فعلى النقيض تماماً يبقى متماسكاً بعضه ببعض، يستطيع السيطرة على نفسه، ولكن ما الفائدة إن كان هذا التماسك موصولاً بالاهتزاز لا يزال في حالة عدم توازن، يحتاج إلى الرأفة بأمّسِ الحاجة لمن يحن ويربت على كتفه كطفل ُحرم من أمه في سنواته الأولى.
يبقى ضعيفاً مكسوراً طوال حياته، ولا أحد يستطيع جبره مهما فعل الآخرون لمواساته، وإن َتجاهلَ أمره وعاش .. فحتماً سيعيش، لكنها عيشة حاضر بجسده غائباً بروحه ميتاً من الأعماق، وسيظل يموت حتى تتقطع كل أوتاره؛ لأنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً ومحكماً بجزءٍ لا يتجزأ من الحياة.
وكم أتعجب لأمره حين أراه يعتصر وينصهر ويحتضر لكنه يبقى صامداً مهما اهتز كيانه وتهدمت جدرانه، وأتعجب أيضاً حين ينهض بنفسه وُيلملم ما تبقى له بكل سكون لُيرمم ما يستطيع إعادة بنائه من بقايا أجزائه حتى يحيا بها.
وإن لم تكن حياته كحياة من يدورون معه وحوله في عالمه الصغير والكبير معاً، ولكن لا بأس فهذا حال " القلب " يبقى في دوامة صراعات لا يثبت على حال، فالشيء الثابت فيه أنه متغير، دائم التقلب، قلب متقلب.