سأحكي لكم اليوم حكاية، عن طفلٍ لم يرى الحياة يوماً، وُلد في زنزانة من أم أسيرة للظلم والقهر والجبروت، أرادت أمه يوماً أن تلعب معه دور الأمومة، أرادت فقط أن تحكي له حكاية، نظرت إليه بعينيها باحثة عنه في ظلمة السجن ونادته : صغيري، أين أنت يا بني؟
رد عليها قائلاً : ها أنا ذا يا أمي.
قالت له : هلم إلي صغيري لأحكي لك حكاية.
فتعَجّب سائلاً : وما الحكاية يا أمي !؟
صمتت الأم وقالت : إن أتيت إلى ُبني فستعرف.
جاءها الطفل في فضول فطري، يترقب بعينيه البريئتين أن يعرف ما هي هذه الحكاية.
ضمته والدته وأجلسته على حجرها وبدأت بـ: كان يا ماكان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان كان هناك عصفور.
استوقفها الطفل : ما العصفور يا أمي؟
صمتت الأم ولم تعرف بما ترد على طفلها فاسترسلت متجاهلة السؤال : طار إلى الشجرة.
فعاد طفلها لفضوله وسألها : وما الشجرة يا أمي؟
شعرت الأم بالارتباك من أسئلة الصغير وحاولت تجاهله مرة أخرى لعله ُينصت هذه المرة : وكانت الشمس مشرقة.
أمي وما الشمس !؟ قالها الطفل وهو يقف مبتعداً عن حجرها معترضاً على تجاهل أمه طالباً المعرفة.
جذبته الأم بحنان والدموع بدأت تملأ ُمقلتيها، فطفلها العزيز لا يعرف من الحياة شيئاً : فقط اسمعني يا ُبني ولا ُترهقني بالسؤال .
وِلمَ تحدثينني بما لا أفهم يا أمي ؟ وما الفائدة إن لم أعرف ؟
نكست الأم رأسها في حيرة وقلبها يعتصر ألماً ، كيف تشرح لصغيرها ما العصفور ! وما الشجرة والشمس وماذا تقول ؟ استدارت الأم بجسدها عن الصغير وابتعدت غارقة في أساها وحزنها تاركة طفلها في حيرته وتساؤلاته دُون جواب والدموع تسيل منهمرة على خدين أحرقتهما دموع الظلم والقهر والألم.
حكاية من الخيال نسجتها تحكي قصة واقعية رواها الكاتب السوري والمحلل السياسي ميشيل كيلو لحادثة صارت معه وهو معتقل، أثارت في الشجون وأطلقت لمخيلتي العنان فكانت تلك القصة، قصة طفل سجين.