الرسالة الرابعة: *العفو والسَّلام*
في سلسلةِ الرحمات والبركات والهدايات التي تتنزل علينا في شهر رمضان هُناك جائزة يسعى لها كلُّ صائم ويترقبها،ولايفوز بها إلا البعض...ألا إنّها ليلة القدر الشريفة.
ونحن إذا ما رشفنا من نبع التأمل الحرائي لنستعرض الجماليات الرمضانية ،تمثلت لنا ليلة القدر جائزة كبرى بين أيام الشهر الفضيل ...
وحين نتابع ذكرها في السياق القرآني والإشارات عنها نجد وصفا بخيرية هذه الليلة خير من ألف شهر،ونجد وصفا بأنها مباركة وبأنّ فيها تنزل القرآن والروح والملائكة ووصف بأنها سلامٌ حتى مطلع الفجر...
ويستوقفنا خبر السيدة عائشة وسؤالها لنبينا صلى الله عليه وسلم إذا ما شهدت ليلة القدر ماذا تقول فيها؟
ويأتي الجواب من نبي الله"اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفو عنّي"
تشدنا هنا إشارتان : *سلامٌ هي* *والدعاء بالعفو*
وبنظرة حرائية نجد أنّ ماهية هذه الليلة عُرّفت بالسلام(سلامٌ هي) بكل ما يتضمنه السلام من معاني.
وفي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته السيدة عائشة أن تدعو الله تعالى بوصفه عفو ويحب العفو فتسأله العفو ،خُلاصة الطلب المتمثل في العفو.
فإنّ المعاني الجمالية ترشدنا إلى خلقي العفو والسلام ،فنحن مالم نتمثل هذه المعاني الجليلة في واقعنا فأنى لنا شهود الليلة الشريفة؟
فلتعش أيها الصائم وأنت في سلام مع نفسك وممن حولك ،وقلبك في صفاء قد غسلت بالعفو كل أدرانه واخترت أن ترقى للقدْر الشريف...
إنّ صناعة السلام ومبادلة العفو ليست بالأمور السهلة....فنحن أحيانا نظن من أنفسنا أننا نعفو وأننا مسالمون والحقيقة أننا نؤذي بعضنا باستمرار بكلماتنا وأفعالنا وتفاخرنا ومظاهرنا ...فكم من كلمة ألقيناها دون اكتراث نبشت نيران الفتنة في بيوت وبيوت ونحن نرقد في نوم عميق!
وما ذلك إلا مثال على ما يصدر منا من أعمال لا تعنى بالسلام أبدا...
ونحن مع أنفسنا لطالما نعرضها للفوضى والشتات والوسواس بإعراضنا عن الذكر وزهدنا في الحياة الطيبة التي وُعد بها المتقون.
إننا نحاول أن نبحث في جماليات رمضان وليلته أبعد من أن تكون كبحثنا عن معجزة!
وكاقرار داخلي بأنّ هذه الليلة حقيقة واقعة ممكنة وليست محض دعاية أو شيء نسمع عنه فقط ولا نرى له أثرا أو وجودا...
وقصصٌ كثيرة عن أناس بيننا هذا الزمان سمعنا منهم مواقف مروا بها في العشر الأواخر...وانّهم ربما شهدوا ليلة القدر...
وحينما تاملناهم لم نجد شيئا خارقا في ملامحهم ومظاهرهم بل هم اناس يشبهوننا ...ولاشيء غير البساطة يعلوهم...ولانعرف عنهم ظاهرا الشيء الكثير في أمور التعبد والزهد وغيرها
ولكن لعلها القلوب نقية والأرواح مسالمة...
إنّ رمضان لا يطلب منّا المستحيل، وهو لا يُعجزنا في شيء!
وليلة القدر فيه ليلة حقيقية ليست مستحيلة...فأغلبنا يحيي العشر الأواخر طمعا فيها ولكن الذين يشعرون بها فئة معينة... نحاول أن نتفكر عن السبب الذي خصّهم الله بها؟
إنّ تلاوة القرآن والعمل به وسلامة القلب وحب الخير للناس ربما تكون من الأسباب التي تميزوا بها فإنّ العفو والسلام مع البشر ليس بالامر اليسير
فإنه لا يعفو إلا كبيرٌ بصبره وقلبه وقوته التي سحق بها غيضه ،وأنه لا يصنع السلام إلا صاحب القلب السليم الذي لاظلمة في قلبه تجاه أحد.
اللهم ارزقنا في أعماقنا سلاما وسلامة وقدرة على العفو.
الرسالة التالية: *(علاقتنا بالقرآن)*
حنان الهنائية* @Hanan91
*#فريق_حِراء*hira1437