أشعرُ بحرارةِ الدمع بعيني و لكنه لا يتساقط!
فكلما احترق قلبي أفصح بما يُكِّنُ في أوردته لمقلتاي ولكنها لا تفصح بدموعها فترّق عليّ من حرارة بركانها المخفي! وماذا عساه لأنّ يَرِق عليّ إن كانت المرآة لا تظهر دمعي إن أصابني نحيب ممزّق؟
نسجَ الليل خيوطه حتى يستر القمر وراء خيوطه فابتدأ ضياء الأفقِ يولج في ليلي فيحلّ نهاري، ودّعت ليلتي كعادتي فكلّ ليلةٍ قضت أوقنُ بأنّ كل لحظة بها لن تُستعاد! أعددتُ مائدة السعادة لأستقبل صباحي ولكنه لم يستقبلني بما أحبّ!
أفرغتُ حاوية الحزن حتى أُفسح لهداياه مكاناً ولكنه قد ملأ حاويتي بما احتدم عليّ ما لا أفهمه!
أحقاً صباحي ما أحياه من تناقضِ مجيئك على الدنيا؟ أنت ذاك الفجرُ الذي يتحدث عنه الجميع بأنه المنير للكون ولكني أراك بسدفة الليل تواترتَ عليّ! خففّ وطئك فما عاد قلبي يحتملُ تناقض ابن آدم حتى تتناقض الأفلاك على نافذتي! رأى منّي ما لا أُبديهِ في سعادتي فبدى عليِ بحديثه الذي زعزع البراكين المخفيّة!
نهارٌ أنا ولكنّي أُولجُ بأرضِ المحبّين! حتى أُنير لهم ما يبديه منافسي من دجوجيّه!
إن كنتُ قد أشرقت بضيائي في مكانٍ خاطئ فلمَ أُعلنُ خطأي وقد ورثَ الكثيرون عنّي صفة السراج!
بدأتُ أسابقُ حرقةَ قلبي بدمعي ولكنه لم يرحْ من سجيتي فلجأت إلى ليلي أناجيه أن إإتي قبل أن يهلكني ضياء النهار! أقبل وقمره منتصفٌ عن دأبه فانشق كما لو شقّ قلبي معه، ثرثرتُ عليه الكثير من الأحاديث وبكائي خذلني بغير دمع! أهدى من نوره أجنحاً فاحتضنني برقّة أجنحته وقال: أما عاد للنهار ضياءٌ تستفاد البشريّة منه؟ لا بأس ألا تعلمين بأن الأفلاك تتأثرُ بما يضجُ تحتها من أحداث!
تعجبتُ وحرقتي لم تزل تتسعّر وكأنّ حطباً مشيّدٌ داخلي لن تطفئه مياه! هطل قمري على نافذتي وابتدى بكلامه فكان لبركاني الخفيّ مولعاً ليس ذلك لقسوةِ أحرفه ولكن تلك حقيقة أنفسٍ بعثت عدوى رجسها إلى الأفلاك !
يا ناجية سدفة سمائي لمْ تُناجيني من قبل أن أحِلّ عليك! فكلما كنتُ أحِيكُ خيوطي لأُستتر أرى في ابتسامتك سعادةٌ لأنّي سأأفل عن سمائك!
أراكِ تُعدّين موائدَ السعادةِ لنهاركِ منازعي بنوره ولكنّي لم أكنْ أُخبرك بقسوتك عليّ!
ذاك النهارُ المتناقض يضيئ للغالّين حتى يسفحوا في دنسهم ! كنتُ أرقبَ انتهائه حتى أُقبل عليهم بسدْفتي ودجوجيّ فلا يبصروا شريعتهم! كلما بزغتُ على أعينِ المخلوقات قذفوني بسمهريّ الظلم لأنّي أظلمتُ دنياهم!
ألا يعقلون بسكوني حين أُقبل على الكونِ فتهدأ البحار ويتناجى الموجُ للربّ بأن يُغْرِق عصاته!
احتضنت قمري حتى بدى يعودُ لسمائه وأطرافُ أجنحته تكفكف دمعي الخفّي!
-أنّى لك رؤية دمعي وأنا التي بالضياء لم أره؟
- لن يبدي لك الضياءُ حقيقتك كما لم يبدي حقيقته!
قَسعَ القمرُ لسمائه بصمت وبدأت أدوّن في مخيلتي ما تلفظّ به، ولمْ يأسر دمعي غيرَ تناقضِ النهار! ذاك الذي أعددتُ له الموائد واستبشرتُ بمجيئه ولكنّه ملأ حاوية الحزن لديّ!
استيقظتُ من نومي وأنا أُحدّق بمضجعي! أين أنا؟ لقد كان مناماً عجيبا!
أضأتُ مصباحي فإذا بي أرى ورقةً مطويةً بجانب المصباح! بدأتُ أُقلبّ به لأرى من المرسل في هذا الوقت المتأخر وإذا به مِرسالٌ من القمر ذا الأجنحة الرقيقة وقد كُتِب بها "شيخٌ حسبه الناس تقّيٌ ولكنّ خلف ثوبه ركامةُ فسق! والدٌ أفرغ يومه ليصلح من أبنائه حتى إذا شُغِلوا بنصيحته انصرف إلى ملهاه! شابٌ أحبّ فاتنةً حتى إذا ما تحدثت عن الحبّ ظلّ يباغضُ بمن يرتكبُ الحبّ!
- سفيرةُ المُدلجين .. إن كان كوكبنا أصبح يومياً على تناقض بشريتنا ألا يحقّ لي بأن أتناقض مرة؟ فتلك عٓدوةٌ بشعة تفاقمت في الأرضِ حتى أزعجتْ الفلك التي بالسماء أُعلمك سفيرتي بأنّه لو وُضع للصفاتِ مهنّدٌ يقطعها عن البشريّة لكنتُ أول المخلوقات التي تقطع عن البشريّة صفةَ التناقض!! قُلْتِها ولكنّك لم تتنبأي بما قلت: مرآةٌ لا تعكسُ دمعُك لن تظهر لك ما يهمّك!!