اتّخذتُ من زاويةِ الصّف محطّة هدوءٍ بمفردي!
كانت ولا تزالُ تلك المحطّة السامرةُ لقلبي لاحتوائها على عابرين هادئين، هنا يعبرُ الشّوق فيلقي وداعاته عليّ،
و هنا يصطّف الحنين وتراً تلو الآخر حتّى يُبلّغني سلامَ عاشق!
في محطّة العابرون تسكنُ الرّوح استسلاماً للجوى!
هنا أرى بتلاتِ حبّي التّي نمتْ ولكنّ احتدام الجوى أشقّ عليها فقررّت أن تنام قليلاً، بينما كان يتعالى ضجيج أصواتُ الطّالبات للمشاركةِ في الصّف، كان يرنو من بينهم صوتك على أذني فتأخذني النغمات خارج مبنى المدرسة!
إلى أن يتوقّف هذياني بصرخةِ المعلّمة: أفيقي عن طاولتك وليكن ذهنك معي يا فتاة، تصرخُ مراراً و أتبسّم لها حينها وكأنّها قد علّقت على زييّ وساما!
في حين تساؤلِ الكثيرين عن بَرودِ مشاعري تجاه الدّروسِ وصرخةِ المعلّمة، كنتُ أوقّع لنفسي عقداً مع محطةِ العابرون أنّي سأزورها كلّ يومٍ حتّى يزول جَوْيُ العشق عنّي! تصرخُ المعلّمة ولمْ أكن أرى في ذلك شيئاً يدعوني للبكاء!
ربّما وجدّتُ أنّ كلِ شيءٍ بعد الشّوقِ إليك لا يستحقّ أن أستوكف لأجله!
ظلّ أصدقائي يحتفلون بمولدِ كلّ واحدةٍ منهنّ وكنتُ أحفلُ بك وحيدةً إن مرّ طيفك عليّ فاستطعت تقبيله!
في كلّ مرّةٍ كرّستُ ذهني لأن يكون مع المعلّمة أجد لسانها يتلفظّ بأشعارِ قيسٍ حينما حاربته الصّبابة في ليلى!
فيعودُ ذهني إلى سُكنى المحطّة دونَ إذنٍ من أحد!
باتتْ تلك المدرسةُ تناديني بالطّالبةِ التي سترتادُ المشفى لكثرةِ صمتها وعدمِ تفّهمها لأقوالِ الكبار!
لا بأس.. أنا الطّالبةُ التّي تهذي كثيراً وتضحكُ حينما يحلّ موطن الكآبة! أنا التي ترتادُ الأحمر فتلقي رأسها على طاولتها كثيراً دون أيّ صوت!
هنا في محطّةِ العابرون وجدّتُ أن بي صلةَ دمٍ مع عنتر حين كان يتشّوق إلى محبوبته في غير مواضع الحبّ!
هنا أجدُ نفسي حفيدةً للمتنبّي حين كان يبذّ الملوك في فخره دون التنبّأ لأقوالِ الكثيرين!
هنا ثانويّتي ومن هنا عشقتُ محطّتي، لكننّي نسيتُ شيئا! حينما وقّعتُ عقداً مع محطّةِ العابرون لمْ يكن هناك تاريخُ انتهاء!!
أسيطولُ الشوق إليك؟
لقد انتهت ثانويتي ولا زلتُ أكررّ سلامٌ على الذين باتت قلوبهم في عرشِ الجوى!