وقفت متأملاً في وقفتي ” حياتي ” التي تتضارب رياحها ، وتتقلب موازينها ، وتنتشل خيوطها ..
كأنها نار مشتعلة تعصف الرياح عليها فتأخذها ذات اليمين وذات الشمال ، ولربما تطفئها ، كالبحر الذي يجفّ ماؤه في غمضة عين سنينًا طويلة ، كان في مكانه ..
أتسطع عليه الشمس ليتبخر كله أم شربه عطشان أصابه الضمأ ؟!
أصبح كل ما بها كمثل النافذة المفتوحة في المساء لا أرى ما خلفها لشدة الظلام الذي يحجب عليّ الرؤية ..
تدخل عبرها الريح المتمردة لتدمر مكتبي ، وتأخذ شيئًا فشيئًا زواياه لتستعمر كل بقعة منه ..
تتمزق أوراقي .
وتنتشر في مكتبي كعاصفة تحمل حبات رمل .
غرفتي .. قد أصبحت خرابة كأنها مهجورة .. لم يقطنها أحد ، يملئها السكون ..
صوت ضربات عقرب الثواني في الساعة المعلقة على الجدار ضربات متتالية مثل دقات القلب ..
ما يشدني ما حلّ بغرفتي ..
أن المصابيح مكسورة والزجاج يملأ الغرفة ، غرفةٌ مرعبة حقًا .. لما بها من ظلام وبقايا زجاج وحطام الأدوات والأشياء ..
من لا يحلم بالعيش أفضل حياة يحصل عليها !!
كم أردت أن أكون مهمًا ولو لمرة واحدة في حياتي .. مرةً واحدة فقط ..
ألا أستحق ذلك ؟
عشت طوال حياتي كأنني معدوم لستُ في الوجود كالتمثال الذي غُسلت الألوان التي تُظهر بضع ملامحه بمادة مذيبة ليصبح بلا ملامح لا يجذب الإنتباه .
حياتي بمجمل الحديث هي سفينة سطا عليها القراصنة الذين ما تمرّ عليهم سفينة إلا أسروا ونهبوا خيراتها ، لا يبالون بما يصيبهم من أذى ، وإنما الغنائم نصب أعينهم ..
فيحملون على ظهورهم ما بإستطاعتهم حمله وما لا يستطيعون .
لا يبقى سوى حطام السفينة يطفو فوق ماء البحر ، والبحّارة منهم أسير لدى القراصنة ومنهم مردى قتيلاً وجبة للأسماك .
أغلقت النوافذ وأسدلت الستائر ، أصلحت المصابيح ليأتي النور من جديد يضيء منزلي المظلم ، جمّعت جزيئات الزجاج المتكسّر ورميتها في القمامة، فتستعيد غرفتي نشاطها الماضي، مغعمة بصدى الحروف فأنا لست وحيداً، فالحروف تسكن معي تحدثني وتكلمني بأرقى مستوى، وهذا هو ما يجعلني أحب وحدتي كثيراً بلا منازع.
*