القرآن الكريم بشارة ورحمة وموعظة قال الله تعالى {إِنَّ هذا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}*الإسراء:*(9)، وهو زاد المؤمن والمعين الصافي للأخلاق والآداب أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليربي أمته على الخلق الحسن ويهذب سلوكهم كما قال عليه الصلاة والسلام ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وقال في حديث آخر ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي ) من هذا المصدر الرباني القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تتشكل أخلاق حفاظ كتاب الله وتبنى شخصياتهم وتزكى نفوسهم حتى يصبحوا مؤثرين فيمن حولهم وكما قيل ( كل إناء بالذي فيه ينضح ) كما أن المرحلة التي مرّ بها حافظ القرآن الكريم في حلق تحفيظ القرآن الكريم أكسبته مزايا كثيرة ونمت شخصيته نمواً متوازناً سوياً كما تعينه على الصبر والعزيمة والتصميم لبلوغ الهدف لأن حفظ القرآن الكريم لا يتأتي في أقل من سنتين إلى ثلاث سنوات في المتوسط من الانتظام والمدارسة والمراجعة اليومية مما يكسبه قوة في النفس وصدقاً في العزيمة ورحابة الصدر والصبر لبلوغ الهدف وتحقيق الغاية ولا شك أن حلقات تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة في مدن وقرى المملكة هي محاضن إيمانية تربوية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) وحدث ولا حرج عن الصدق والوفاء والسماحة التي يتصف بها حفاظ القرآن الكريم اكتسبوها من كتاب ربهم واقتداء بصفوة الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن ووصفه الله عزوجل بقوله {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}القلم: (4) كذلك استشعارهم للمسئولية تجاه الآخرين فهم دعاة خير بفعل الخيرات والمساهمة في هداية الناس إلى الصراط المستقيم فتتكون من كل ذلك تصرفاتهم وسلوكهم مع ما يحملونه في صدورهم*من علم وحكمة ودراية بأحكام الدين وأركانه قال تعالى { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}آل عمران: ١٥٩ ، فحسن الخلق والترفق بالآخرين والتواضع لهم عامل مهم في كسب محبة الناس وقبولهم للنصيحة قال تعالى{الرَّحْمَن الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}الفرقان: (63) .
إن أثر حفظ القرآن الكريم كبير في تربية الأبناء والبنات وهناك العديد من الدلائل التي يصعب إحصاؤها ولكن أذكر بعضها.
حفظة القرآن الكريم قدوة حسنة في المجتمع لأنهم تخلقوا بآداب وأخلاق القرآن الكريم في معاملاتهم مع الآخرين وطائعين لربهم كما أنهم رفقة وصحبة صالحة لبعضهم .
حفظة القرآن الكريم بارين بآبائهم وأمهاتهم كيف لا وهم يقرأون كلام الله سبحانه وتعالى {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} الإسراء: (23 -٢٤)
حفظة القرآن الكريم يحرص كل الحرص على التعاون بالبر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان لما فيه خير المجتمع وصلاحه وحل لكثير من الصراعات القائمة في كثير من الدول .
حفظة القرآن الكريم بعيدين عن التعامل بالربا وأكل أموال الناس بالباطل لأن الله حرم الظلم فالله لا يحب الظالمين .
حفظة القرآن الكريم من أهم أسباب تفتح مداركهم العقلية والنمو المعرفي المبكر وظهور الطاقات الإبداعية وتقويمهم الدراسي وهذا أمر ملاحظ وسبق أن قامت إدارة التوعية الإسلامية بوزارة التربية والتعليم بدراسة خلصت إلى أن 85% من البنين والبنات المتفوقين دراسياً هم طلبة تحفيظ القرآن الكريم لأن القرآن الكريم هداية ومعجزة فهو منزل بلسان عربي مبين وفيه من العلوم والمعارف الدينية والأخلاقية والاجتماعية والحضارية*ما لا يعرف لكتاب غيره فهو الخير كله للفرد والمجتمع قال رسول الله صلى الله عليه*وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) .
حفظ القرآن يربي الفرد على الجد وعلو الهمة وتقوده على تنظيم حياته وحفظ أوقاته والشعور بالمسؤولية .
حفظ القرآن الكريم يدرك أهمية الشورى تصديقاً لقول الله تعالى ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) الشورى: (38) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ) .
هذا أثر حفظ القرآن الكريم على المجتمع قناديل تضيء الطريق للآخرين لأنهم تعلموا أسلوب التربية المثلى من القرآن الكريم وعندما سئلت أم المؤمنين عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت :* كان خلقه القرآن ، كان قرآناً يمشي فداك أبي وأمي يا سيدي يا رسول الله عليك وعلى آل بيتك أفضل وأتم صلاة .
لذلك الإقبال على حفظ القرآن الكريم بالجمعيات الخيرية ولله الحمد والمنه كبيراً من البنين والبنات ، ويؤكد ذلك نسبة النمو السنوي المتزايد للتسجيل في الجمعيات والذي يتجاوز 11% سنوياً وهي نسبة تفوق النمو السكاني للمملكة الذي يتراوح بين 3.5 ـ 4% ، إن تطور الجمعيات في وسائلها التعليمية مثل المقارئ الإلكترونية والهاتفية ومقارئ برامج التواصل الاجتماعي جعلت الخيارات متنوعة أمام الشباب للانضمام لجمعيات التحفيظ والاستمرار فيها .
نحن بحمد الله تعالى نعيش في بلاد دستورها ومنهاج حياتها القرآن الكريم ولا يكاد يمر شهر من أشهر السنة إلا ونجد في مدينة من مدن المملكة احتفال قرآني كما تعددت مجالات خدمة كتاب الله طباعة وتوزيعاً ونشراً والدعم الرسمي المعنوي والمادي للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم وكل ذلك نابع من اهتمام ولاة أمرنا حفظهم الله بالقرآن الكريم فهم يشجعون ويدعمون هذه الجهود لخدمة كتاب الله الكريم ، وتطبيق القرآن العظيم في جميع مناحي الحياة .
كما أحيت جمعيات تحفيظ القرآن الكريم دور المسجد في التربية ، حلقات التحفيظ في المساجد لها دور في معالجة الانحراف الفكري والسلوكي للبنين والبنات ، القرآن كلام الخالق عز وجل، فيه من الهدى والرشاد، والحكمة والسَّداد، والعبر*والمواعظ، ما تلين له الصخور الصماء، وتتيقظ من سباتها القلوب العمياء، وفيه ترغيب في الفضائل، وترهيب من الرذائل والانحراف ،*فهي المحضن التربويُّ لغرس قيم الإسلام ومبادئه وآدابه تهيئ للنشء القدوة الحسنة، والتوجه السليم والتربية الإيمانيّة على معلمين ومربّين من أهل القرآن الذينَ هم أهل الله تعالى وخاصّتهُ، وتهيّئ لهم الصحبة الصالحة ، فلا تتسرّب إليهم المفاهيم والأفكار المنحرفة .*
إن الثقة من كافة شرائح المجتمع والنتائج الملموسة لدور جمعيات التحفيظ التربوي الهادف، لما كان الإقبال والنمو بهذا الشكل، و تقوم الجمعيات بجهود تربوية وفكرية لتقويم وتحصين أبنائها وبناتها حفاظ القرآن الكريم، وتربيهم على لزوم الجماعة والعمل يداً واحدة لبناء المجتمع وعمارة الأرض، منطلقين في ذلك من النداء الرباني لعباده المؤمنين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُم} (59) سورة النساء .
إن الحاجة ماسة في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى إلى العناية بحلقات التحفيظ* وتفعيل دورها في المجتمع ، لا سيما في ظل التحديات المعاصرة التي نراها اليوم حتى تضطلع بمهماتها العظيمة في حفظ هوية الشباب للبنين والبنات، ودعم أمن المجتمع وسلامته، ووقاية النشء من الزيغ والانحراف والغلو والإرهاب، وإرساء قيم الوسطية السمحاء لبنات نماء، وتطور لمجتمع آمن ومثالي. إن القرآن يهدي إلى الرشد والسداد والنجاح، إن مخرجات جمعيات تحفيظ القرآن الكريم حفاظ من البررة بهذا الوطن المعطاء يتخذون* الوسطية والاعتدال منهجاً وطريقاً يخدمون وطنهم في جميع الميادين .
وبالله التوفيق،،،