الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإن كتاب الله تعالى شرف هذه الأمة ومصدر عزها ومنبع فخرها قال تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك}، والتمسك به وبالسنة النبوية المطهرة هو العصمة الواقية والحصن الحصين من كل زيغ وضلال قال -صلى الله عليه وسلم-: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي"، وأفضلُ هذه الأمة وخيرُها ومُقَدَّمُها هم معلمو القرآن ومتعلموه، قال – صلوات الله وسلامه عليه-: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، قال الصادق المصدوق – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-: "إن لله أهلين من الناس" قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: «هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته» فأهل القرآن هم أولياء الله المختصون به اختصاص أهل الإنسان به. وقد اعتنى السلف الصالح الأخيار – رضوان الله تعالى عليهم-بهذا القرآن المجيد أيما عناية واحتفوا به عظيم الاحتفاء، فقد أولاه الخلفاء الأربعة ثم الصحابة ثم التابعون ثم تابعوهم موفور العناية وتام الرعاية .
ولأن الخير باقٍ في هذه الأمة غير مقطوع، ولأن الله تعالى تكفل بحفظ كتابه الميمون، قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، ولأن بلاد الحرمين الشريفين هي مهبط الوحي وموئل الدعوة، وخير بقاع على وجه الأرض حيث ضمت أقدس البقاع المسجد الحرام والمسجد النبوي، فقد أولت هذا الكتاب العظيم أفضل العناية وأعظم الرعاية، ولم تألُ جهدا ولم تترك سبيلا ولا بابا يخدم من خلاله القرآن وأهله إلا بذلت واجتهدت فيه اجتهادا منقطع النظير، ولسنا نبالغ في شأنها؛ لأن واقعها ينطق بجهودها الميمونة وأعمالها الشاهدة لها ما بقي في الناس حيٌّ يتنسم .
وقد ولَّى الله تعالى على هذه البلاد خير دولة أُسست من أول يوم على تجديد الدين والدعوة إليه بالعودة إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فنشرت التوحيد والسنة وحاربت الشرك والبدع.
وغير خافٍ على الجميع العناية المشهودة من قبل ولاة أمر هذه البلاد – حفظهم الله وأعانهم- بكتاب الله – جل وعلا- *منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود – رحمه الله تعالى رحمة واسعة-، ومن بعده أبناؤه الكرام البررة قادة هذه البلاد ورعاة نهضتها وباذلو النفس والنفيس في سبيل تحقيق عزها ومجدها الملوك: سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبد الله – رحمهم الله تعالى وأسكنهم فسيح جناته-، إلى أن تولَّى زمام الأمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود –حفظه الله ورعاه -.
وقد تجسدت هذه العناية في أشياء كثيرة وأمور عديدة من أبرزها وأكثرها نفعا وبركة: المسابقات الدولية والمحلية المتعلقة بالقرآن الكريم، ومن هذه المسابقات العظيمة مسابقة الملك سلمان المحلية لتحفيظ القران الكريم للبنين والبنات.
وقد أولى الملك سلمان -رعاه الله - جُلَّ عنايته لكتاب الله -سبحانه وتعالى-، ولا عجب ولا غرابة في هذا؛ فقد نشأ الملك وسط بيت قرآني إيماني اعتنى قائده المؤسس المغفور له – بإذن الله – الملك عبد العزيز بالقرآن الكريم في خاصة نفسه وفي أبنائه، وقد جعل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان كتاب الله تعالى في المكان السامق من عنايته – حفظه الله -، ومن مظاهر هذه العناية وهذا الاهتمام العظيم مسابقة الملك سلمان المحلية التي تقام سنويا في العاصمة الرياض بمشاركة أبناء وبنات المملكة في تنافس عظيم على مائدة القرآن الكريم من أجل تحقيق أهداف سامية ومرام حسنة يأتي في مقدمتها: إبراز اهتمام المملكة العربية السعودية بكتاب الله الكريم والعناية بحفظه وتلاوته وتجويده وتفسيره، وتشجيع أبناء الوطن وبناته على الإقبال على كتاب الله - جل وعلا - حفظاً وفهماً وأداءً وتدبراً، وإذكاء روح المنافسة بين حفاظ كتاب الله تعالى وحافظاته، والإسهام في ربط الأمة بالقرآن الكريم مصدر عزها في الدنيا وسعادتها في الآخرة .
وخادم الحرمين الشريفين يسجل بكلماته الثمينة الغالية ورعايته المستمرة والمتواصلة منذ أن كان أميرا للرياض وحتى بعد أن آلت إليه مقاليد الحكم في المملكة ومن كلماته في هذا الصدد – يحفظه الله-: " إن من أجّلِ النعمِ على أمةِ الإسلام نعمة القرآن الكريم الذي نزل بلسانٍ عربي مبين، فكلما تمسكنا بهديه في جميع شؤوننا كانت لنا العزةُ والمنعةُ وكلما بعدنا عنه أصابنا الذلُ والتفرقُ" ويواصل كلماته الناصحة لأبنائه موصيا وموجها ومشجعا: " أبنائي حفظه كتاب الله الكريم، إن عليكم أيها الأبناء واجباً عظيماً تجاه دينكم ثم وطنكم، فحافظُ القرآن لا بدَ أن يكونَ قدوةً فاعلةً وأن يتخلقَ بأخلاقِ القرآن وبسيرةِ نبينا محمد عليه وعلى آله أفضلُ الصلاةِ والسلام حتى يكون نافعاً لدينه ووطنه ومجتمعه".
إن هذه العناية من قبل خادم الحرمين الشريفين لَتدل الدلالة الواضحة وتشهد الشهادة الحقة القائمة على ما يكنه – حفظه الله – لدينه ووطنه وأبنائه وبناته وعلى حرصه العظيم عليهم بترتيب ما ينفعهم في دينهم ودنياهم فهنيئا لبلادنا هذا القائد العظيم .
أسأل الله العلي القدير أن يوفق مليكنا وولي أمرنا لهداه، وأن يجعل عمله في رضاه، وأن يحفظ بلاد الحرمين الشريفين خادمة لدينها ولكتاب ربها وسنة نبيها، في كلاءة الله وحفظه إلى ما شاء الله العظيم اللهم آمين. وصلى الله وسلم وبارك على معلم الناس الهدى وآله وصحبه أجمعين . *
*