تغيرتُ كثيراً لأجلك حتى أنني نسيت أكان اسمي كما هو أم تغير!، لأجلك لقّنتُ المستحيل دروساً من الصّبر حتّى لا أبتعد عنك، مكثتُ أحرثُ الأرض بذورَ حبّك، حتّى إن احتضنك الرّحيل بدت تلك البذور أشجاراً تظلّني حين أكون غريبةً بين الغمار، دونك لا أُرّحب بالحياة و سأدرج الحبّ في صندوق الحرام ! فأنا أجدُ نفسي قد اضطربت وتقلقلت، غريبةٌ سارية أبسطُ إلى العشّاقِ بسماتي وأتألّم كثيراً حين لا أجدُ من يبسطُ إليّ ابتسامته!
بائعةٌ للوردِ الكميتيّ اللون، حين أسير على شاطئ مدينتي أزداد سعادةً حين يناديني أحدُ الرّجال لكي يُهدي حبيبته وردةً من سلالي التي أحملها، أرى الحبّ في أعينهم تمكّن من الحنايا، وأبتسم بكآبةٍ قصيرة ليت قدري كان مع إحدى المتوسّمين!
ترعش أطرافي وتبدأ شفاهي بالتأرجح حين يهبّ سموم البحر، باردةٌ تلك الرياح ألا تشفقُ على ثوبي الممزّق؟
ركضتُ حين رأيتُ السّماء غارقةٌ في سدفتها والرّعد قد بسط زئيره بها فاختبئتُ تحت أحد المقاعد، ظلّت السماء تحنو عليّ بوابلِ أرزاقها، أحد تلك الأرزاق ذاك الرّجل الذي جعلني أرتكبُ الحبّ بعدما أدخلته في صندوق الذنوب وتبتُ منه!!
أرى خطواته باتجّاه كرسييّ وقدماه تقذف المطر من الأرض حتى وصل إلى مكاني انحنى فلمعت ربطةُ عنقه بالقرب منّي
مدّ إليّ ذراعه لأستند عليها وأنا محتضنةً سلالي تحت الكرسيّ، سكتُ وأنا ألملم شتات ثوبي الممزّق فتبسّم و صمت قليلاً ثم قال: لا بأس سأجلس على الكرسيّ حتى تهدأي فتوافقين على نجدتي لك!
طال سكوتي دون ردٍّ عليه، بدتِ السّاعة الرّابعة فجراً و المطر لا زال ينهمر، و رجلٌ وسيمٌ في رُعود السّحاب قد انتظرني تحت مظلّته السوداء معلناً نجدتي حين يهدأ بالي له!!
أشفقتُ بأن يصيبه الزكام فيكون مرضه سبباً من خوفي، أخرجت كفّي خارج الكرسيّ فما وجدتُّ أدفئ من يديه في هذا الجوّ القارص!
سرتُ بعيداً عنه فكانت يداه تُقرّبني من جسده ويقول: إن كنتِ من الفتياتِ التي لا تخشى المطر فأنا أخافُ عليك من نوائبه! بدتْ كلماته ومجسّاته نُبلٍ ترسم في قلبي بداية حبّ!
ولكننّي في كلّ وطئةِ لطف أتراجعُ حتّى لا يُهلك بقلبي للمرّة الثانية فتكون حياتي الأخيرة، لمْ نمضي كثيراً فقد وصلنا إلى حيث يقطن في فندقهِ الخاص، أكرمني في شرفته وسكب لي كوباً من القهوة حتّى تهدأ شفاهي من تأرجح صقيعها، خفضتُ رأسي وأنا أنظر إلى ترقيع ثوبي و تمزيقه فلمح عيناي في حزنها فخلع معطفه باهظ الثمن
و وضعه على كتفي بدأت أرتديه و ظننتُ بأنّه قد ابتعد من خلفي، لكنّ أذرعه باتت تلتّف حولي و تحتضن بَرودي الفقير!
سمعتُ تمتمة لسانه و لكنّي لم أتأكدّ من صوته أخبرته بأن يرفعه اقترب أكثر فأخذ من يدي كوب القهوة و وضعه على الطاولة و أمْسك بكفّي وشفاهه تقتربُ من أذني لتخالطها باعترافها الأول أحبّك!
أدرتْ وجهي و غرقتُ في عينيه فوجدّت بها كثيراً من الصدق، أيقنتُ حينها بأنّ الأحزان لمْ تأتِ لتمكث ولكنّها أتت تؤلمنا وتمضي!
وسط غزراة المطر و شعاع البرق وجدتّ ظلّي تحت مظلتك السوداء، لم يُعجبني سوادها و لكن سريعاً ما أدركتُ أنّ خلف هذا السّواد روحٌ بيضاء!
ذا الثوب المرّقع هكذا أسموني نساء مدينتي، واليوم أرتدي معطفك المصنوع من جلد أثمن الثعابين!
في شتاتي المتفرّق الذي حييته تحت كرسيّ الإختباء مددت ذراعك إليّ و وهبتني حياةً مقدّرةٌ فقط للأمراء!
دون مقابل مكثت تنتظرني تحت وبل السّماء معلناً للجميع نجدة حبّك لي!
معك.. أيقنتُ بأن الحبّ لا يُميّز الفقير من الغنيّ، لطالما حييتُ معك و كأنّك قد طلبت يدي من أحد رجال الأعمال في المدينة!
عوضّتني عن تلك الورودِ التّي حملتها سلالي وبعتها لمارّةِ العشّاق، من جديد ولدّتني في كمٍ هائل من الجوريّ وكأنّك تخبرني بأنّ هذه ورودك قد استردّتها من أناسٍ لا يعرفون الحبّ فالآن قد عادت إلى حاملتها!
وهبتني وصال حبّك فارتعتُ في تباريحِ الحبّ أرددّ اسمك و أرتاده إكليلاً على نساء مدينتي!
معك أيقنتُ بأنّه لا بأس بالقليل من رُعود السّماء حتى تَهب الكثير فتمحي حياة الشّقاء!
معك أنا لن أودّ الإختباء خوفاً تحت كرسيّ مارّة العشّاق...