نسقط من دهاليزنا الخاصة ، في صومعة صغيرة بين سلاسل جبال تعانقنا حد الموت ، كثيرون لكن قلما اجتمعنا إلى شمعة تدفئنا من برد الشتاء ، ضيق المكان ما كدسنا في زاوية نرقص طربا فيها عند حلول أعيادنا ، ما كورنا حول مريض نرفع له أكف الدعاء ونبكي ، نحن هنا منذ هبوط آدم من الجنة ، لكن لم نقترب شبرا من بعضنا ، اكتفينا بالتحديج في زنجي ضعيف قتل أبواه في شرق أفريقيا وهو الآن يخدم سيدا أبيض متعجرفا يوبخه على كل آنة يصدرها عن ألمه ، في ثلاثة رجال تهوي فوقهم شهب ونيازك خلقها غضبهم ، يصرخ أولهم : يا ناصبي ، اسكت !
تأتيه صفعة من الثاني تتبعها كلماته : يتكلم الرافضي ! لتذهب إلى جحيم
يسكتهم الثالث : كلكم كفار إلا نحن فلم الجدال ؟
يدفعاه أرضا يدوسان وجهه يتشاركان في إخراج لعنتهما :
صه ، عليكم اللعنة يا خوارج !
يموت الثالث ، يعود الثاني ليعاقب صاحبه الأول ، تتعالى الشتائم و الرذاذ المتبادل و تعاقد الحاجبان و اللكمات ، يقرر الأول إنهاء كل شيء يخرج سكينه يطعن صاحبه ويموت ، بقي وحده مكدرا بجسد يقطر دم ضحاياه يعض لسانه : سحقا للذين يعترضون طريقي ، يقف فوق جثثهم : دواعش ! من يريد نفس مصيرهم ليتقدم ، لم يرد عليه إلا صوت انتقام بندقية تخرقه حتى الموت ، وينزف مع رفاقه ، مات الثلاثة ببساطة !
قتل كل من قال أحد الكلمات : روافض ، نواصب ، خوارج ، دواعش ..... ، وحتى هذا الزمان لم يعتبر أحد !
الصومعة تشهد آلاف الجرائم كهذه ، لم تعد جريمة ! بل أصبحت عادة ، بل هي همسة صباح وحديث مساء ، ليس عجيبا أن تستيقظ على رائحة نتن الأجساد المتراكمة ، على خرير نهر الدماء يكاد يغرقك ، على قبح الألسن المتخاصمة تصم أذنيك ، ما عاد يخيفك شيء إلا اقتراب دورك ، أنت أحد الثلاث طوائف بل الألف طائفة ، المهم أن هناك من يضمر الحقد لمن ينتمون لطائفتك لذا سيأتيك الدور ، الليلة ، غدا ، بعد مليون سنة وحتى بعد أن تهرم ويأكلك الدود ، سيقطعون لسانك أو يبترون أطرافك وربما يصلموا أذنيك أي جزء منك !
ما يهمهم هو إبعادك عن الحياة التي ارتكضت من أجلها في بطن أمك هم هكذا لا يرضون إلا بدم قبيلتهم أو لحمها حتى طائفتك ليست أفضل منهم ، كلكم تعيشون حياة قبيلة بدائية تهاجر إلى بقاع العالم وتدمره إلا من رحم ربي ! رغم بعدك عن نجاستهم لن يرضى بك إلا أشباهك ، في نهاية المطاف سيأتيك الموت منهم في كلمة أو طعنة أو خيانة وربما في كآبة وخوف وكمد !
من أجل أي شيء يحدث كل هذا ؟