سنينُ زواجي تزداد وللآن لم أنجبُ حتى طفلاً واحداً .
يارب فقط أريدُ طفلة فقد مللتُ حديث والدة مشاري الجارح وتخطيط أخواتهِ كي يتزوج بأخرى يارب طفلةً واحدة فقط لتصمتُ ألسنة زوجاتِ إخوة مشاري عن كسر قلبي في كل مرةٍ يتحدثون بها عن أمر علاجي فكرةُ العلاج قد تبدو للآخرين فكرة بسيطة ولكن بالنسبة إلينا هي فكرةٌ موجِعة تعلمتُ أن أهربُ منها للنوم أو الكتابة .
تزوجتُ من مشاري قبل عشرِ سنوات وللآن لم يحصل أن أحمل ، ذهبنا لأطباء عدة وكان رأيهم لا يتغير لا أحد يعلمُ الغيب ولكن كلامهم كان يقطع الماء عن أملنا في كل مرةٍ إلى أن ذبل .
الأمل كنبتةٍ صغيرة إن سقيناها كبُرت وأصبحت شجرة وإن قٌطع الماء عنها ستصفعُها الرياح إلى أن تموت .
حينها قررنا أن نتبنى طفلة ،
وذهبنا إلى دار الأيتام ، هناك سرقت نظري طفلةً صغيرة جداً يُخبئ جسدها النحيل ببطانية زهرية كانت ذات بشرةٌ بيضاء ، كالثلج تماماً كان عمرها أسبوع واحد للآن بجسدها حُمرة وعيناها للآن لم ترى أحداً وللآن لم تشعرُ أنها يتيمة .
ضممتها بشدة ، شممتُ رائحتُها التي تفوح بصدري كالمِسك وقررت أن أتبناها .
أسيمتُها دارين .
وأوهمنا أنفسنا بأنها إبتنا ، دُللت دارين دلالاً لا أظن بأن أي طفلة تدللت بنصفُه فقط .
كانت دارين تكبُر وتكبُر معها سعادتي إلى أن بلِغت السنة ،
وحدث مالم نتوقعهُ وحملت !
لم تتغير مكانة دارين بصدري حينها وكنت أحبها كثيراً .
أصبحت الخادمة تهتمُ بدارين كونه من اللازم أن أرِيح جسدي ، ولم أكن أعلم بأن هذهِ بداية التغيير مرت التسعةّ أشهر كلمحِ البصر ، ولدتُ بطفلتي لارين .
ومُنذ أول يومٍ شعرتُ بالتغيير وأدركتُ حينها بأني لم يسبقُ وشعرتُ بمشاعر الأمومة ، ما كنتُ افعلهُ لربما كان مجرد تسكين لجرحي فعندما نبتلعُ المسكنات قد يخفُ الألم ولكن الجرح لا يزول بسهولة .
وكانت دارين أشبهُ بمسكنِ ألم .
احتلتُ لارين جُزءٌ كبيرٌ من قلبي وحياتي .
كبروا أثنتيهم .
كُنت في الوسط طيلة الثلاثِ سنوات مابين دارين ولارين .
ولكن لارين كانت أقرب لروحي .
بعدها كانت لارين قد بلغت الأربعِ سنوات ودارين تنقُصها ثلاثة أشهر لتكمل السِت سنوات .
كانت لارين شقية جداً بعكسِ دارين التي هي عبارة عن كتلةِ هدوء .
كانت تُكسر أغراض المنزل وتتحطمُ نافذة الجيران وتُضرب صغيرات الحيّ كل ذلك كان من قبل لارين الشقية ولكنها كانت تُعرف في الشارع بإسم دارين فتأتيني شكواهم عليها ، كُنت أستغرب كثيراً ولا أتوقع ذلك من لارين لصغرِ سنها .
إلى أن ازدادت المشاكل ، ولم أعد أحتمل أكثر من ذلك أصبحتُ أشعرُ بالخجل لكثرة شكواهم ،
وقررتُ أن أعيد دارين إلى دار الأيتام ، ويكفيني أن أربي ابنتي لارين .
حملتُ لارين وأمسكتُ بيدِ دارين وذهبنا إلى دار الأيتام ، كان الفناء واسع وبهِ الكثيرُ من الأطفال طلبت من لارين أن تلعب معهم لحين عودتي .
ودخلنا لغرفة مديرة الدار حتى نبدأ بإجراءات عودتها ،
ودعتُ دارين ولكنهُ كان وداعاً بارداً خالٍ من المشاعر فإذا بمساعدة المديرة تقول : عجباً لأمركم أيتها النساء ، تأتون إلى هنا محتاجون إلى قُرب هؤلاء الأنقياء وفور أستغنائكم تأتون لتلقون بهم هُنا ليعايشون واقعهم المُر .
كُسر قلبي ؟
لا أعلم ، تمالكي نفسك يا رويدا ودعينا نخرجُ من هنا صحيح !
انه توقيت عودة مشاري ، لأذهبُ قبل أن اتأخر ويوبخني .
خرجتُ مسرعة ، وقفتُ على الرصيفُ المقابل وكنت أوجهُ جسدي إلى الطريق الخلفي بحثاً عن السائق ،
انتابني الغضب مثل كل مرةٍ بسبب تأخيره .
وأثناء محاولات إتصالي بهِ كانت لارين قد تشاجرت مع إحدى الفتيات وعندما حضرت المديرة خرجت راكضة نحوي كنت غاضبة منشغلة بالهاتف وهذين الأمرين كفيلة بأن تنسيني بأن لارين لازالت بالداخل كان الطريق مزدحم جداً والمارون بهِ يمرون بسرعة جنونية ركضت دارين قائلة : مامااا وما أن وجهتُ نظري إليها إلا وجسدها ممتد على الطريق وغارقةّ بدمها .. دُهست لارين ، ماتت ومات جزءٌ من قلبي .
الكتابة عن موت طفلةَ صعبة للغاية ، فهي تماماً تشبهُ محاولةَ تنفس في وسط البحر أو لربما محاولة صرخة في حين أن أفواهنا تُغطى بشريطٍ لاصق .
لذا قررت أن لا اكتب عن موت لارين ولا عن الصدمة العزلة ونوبات البُكاء اللاتي واجهتها ولا عن مضادات الإكتئاب و الأقراص المنومة التي كُنت ابتلعها لأهرب من الحياة وحقيقة موتها ولكن سأكتبُ عن السبب الذي جعلني أعيش مجدداً وأخرجُ رأسي من وسط البحر واتنفس بِعمق والذي حررني من الشريطُ اللاصقُ لأصرخ .
وهو عودة دارين .
حبيبةُ روحي ، وكان آخر آيام حُزني واليوم الذي استغنيتُ به عن الأقراص المنومة لأن حضنُ دارين الطاهر كان بمثابة مئةِ منوم ،
كبرت دارين بجانبي للمرة الثانية ولكن بتبادل الأدوار كُنت أنا طفلتها التي تفزع من أنصافُ نومها والتي ما ان تتذكر طفلتها تبدأ بالبكاء وكانت لي بمثابة الأم الحنونة .
أنا احبُ دارين كثيراً الآن .
ولن أتحدث عن لارين لأن الحديث عن الأموات مؤلم ، وكيف سيكون مقدار الألم حين تكون الميتة " طفلة "
كثيراً ما يحدثُ أن تلجأ الأمهات لتبني الأطفال ، ومن هُنا أتمنى أن تتخذي العبرة ،
فحين تكوني قادرة على تربية يتيمة .. قومي بتريبتها كأنها إبنتك ليس كـ " مسكن الألم " وما أن يوهبكِ الله طفلةً لتستغنين عنها فقد تُكسري حياتها ويكسرُ الله قلبكِ في ذات اللحظة .
لا أعلمُ إن كانت طفلة أم مُسكن ألم !!