ختمت معكم كتابتي السابقة عن الحياة الطيبة بجملةٍ نصّها : " ولست بصدد التحدث عن تقصير أحدكم ولكن ضرورة البدء بكم " وكنت أقصد بذلك الآباء والامهات قبل المربين والمسؤولين حيث أنهم أساس اللبنة التي ستخرج - لنا بعد الاستعانة بالله - نشءً صالحاً وجيلاً قوياً صحياً وفكرياً يفيد الوطن .
وقبل البدء بالاقتراحات ، دعوني اطرح عليكم سؤالاً راود تفكيري وأثار فضولي :
ما الذي يجعل أبنائنا سعداء وأصحاء خلال فترة حياتهم ؟ وتعددت معي الإجابات وشملت المال ، السفر ، الرفاهية ، الطعام ، الحرية ، الاستقلالية، الأجهزة الالكترونية وغيرها. ويؤسفني أن أخبركم أن لا شيء منها حقق لهم ذلك والدلالة على ما أقول الأحوال التي وصل إليها معظم أبناء مجتمعنا والتي نعرفها جيداً ولكن نتناساها ، نتجاهلها ، لم نشعر بها أو نلاحظها أو نلوم بها غيرنا ، وقادتني إجابتي لأسئلة أخرى :
هل فهمنا نحن معنى السعادة الحقيقية حتى نفهمها للآخرين ؟
وهل حققنا السعادة لأنفسنا حتى نستطيع تحقيقها لأبنائنا أم أن فاقد الشئ لا يعطيه ؟ وهل ياترى حققناها لهم بشكل صحيح ؟ وإذا تم ذلك فعلاً هل لاحظنا أثرها عليهم وعلى سلوكهم ؟ وما هي ردود أفعالهم ؟ وإذا لم يتم ذلك فإلى متى ستستمر أحوالهم كما هي عليه ؟ وإن ارتضينا بأحوالنا كآباء وأمهات فما ذنب أبنائنا الذين سنسأل عنهم ؟ وأين نحن من " كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته " ؟
وأين نحن من " ما تفعله اليوم تلقاه غداً " ؟
وأين نخن من " وَلَدٌ صالح يدعوا له "
وكيف يكون صالحاً إن لم نساعده على ذلك ؟
لن أوجه لوماً ولا عتاباً ، ولن اسرد مآسي لأبناء كنا سبباً رئيسياً فيها ولن أتكلم عن معاناة أمهات ، أرامل أو مطلقات . ولن اركز على بعض الزوجات الغير مسؤولات المشغولات بالصديقات والصرعات ، ولن اتصادم مع رجال اخترن لقاء راحة البال ورمين بمسؤوليتهم على الغير من أجل رغبات شخصية وسهرات ولن و لن لأن كل ما ذكرته لا يخفى على الكثير منا . ولكني سأكون حالمةٌ ، متفائلة إيجابية وأطالب بأصغر التغيرات.
فالتغيير البسيط في سلوك أحدنا يمكن أن يغير عالمه بل ويعيد تشكيل مستقبله فكيف ستكون النتائج لو تم هذا التغيير المتواضع لدينا واستمر وبالتالي انعكس على ابنائنا .
ولتكن البداية مع أحد أهداف حملة " مجتمعٌ راقٍ ونقي " وهو دورنا في تحمل المسؤولية تجاه الأبناء . ولكي نصل لمجتمع كذلك ، نحتاج إلى أن نصل إلى مصغر هذا المجتمع في منازلنا مع أبنائنا الذين هم نتاج شراكةٍ عائلية ٍ اختار كلاً منها الانضمام لها بمجرد اتخاذ قرار الزواج . وهنا أقف وقفةً لأذكّر أن المسؤولية لا تلقى على عاتق الأم أو الأب بمفرده بل يشترك فيها الوالدين باتفاقٍ على الأهداف ، الأدوار ، المتابعة والكيفية لكي يحصدوا النتائج سوياً . ولا نقتصر المسؤولية على الخروج من أجل العمل والصرف المادي من جانب الأب أو توفير الرعاية والطعام من جانب الأم بل تتعدى ذلك بمراحل .
فالتربية سلوك ، أسلوب ، منهج ، طريقة ، دروس ، تجارب ، محاكاة ، ثقة ، تدريب ، مراقبة ، متابعة ، تشجيع وأكثر من ذلك . وليست كما يعتقد البعض أنها مجرد توفير مال ، مسكن ، مطعم وعلاج . فهذه الواجبات ما هي الا مقومات للحياة وليست تربية . فأين نحن من هذا . وكيف لنا أن نطالب أبنائنا بتحمل المسؤولية إذا كنا لا تدركها ولم نحققها تجاههم .
وكل ما نفعله هو الدندنة بجملة تتردد على مسامع الكثير وتتكرر على ألسنتهم " أنا أولادي متربين أحسن تربية " عذراً أي تربية هذه ! أين هي التربية التي أوصلت كمّاً من أبنائنا إلى الانحراف السلوكي و الفكري الذي نتابع ازدياده يوميا ؟ أين هي التربية التي أفقدت أبنائنا الإحساس بوجودنا واستبدال أدوارنا مع السائق و الخادمة ؟ أين هي التربية التي أسقطت دورها في متابعة الأبناء دراسياً وغاب تواجدها في مجالس الآباء والأمهات بل طوال العام ولا يكون لها ظهور إلا عندما تتفاجئ بالصدفة بنتائج لا تتوقعها ؟ أين هي التربية التي انساقت وراء الفكر الغربي الحديث الذي يركز على النفس و الهوى وحب الذات و إيثارها ؟ أين هي التربية التي أعطت الحرية لأبنائنا دون رقابة أو تصحيح من أجل أن نرضيهم ويرضوا عنا ؟ و أين ؟ و أين ؟ إننا في حاجة لإعادة النظر في أحوالنا والصدق مع أنفسنا لتدارك ما يمكن ولنفهم معنى التربية ونحدد مسؤولياتنا تجاه من نربي. وإذا استوعبنا كنقطة أولى حجم مسؤولياتنا تجاه أبنائنا جيداً , عندها إذا يمكننا أن نعلمهم كيفية تحمل المسؤولية من أجل أن يشاركوا , أن يكتسبوا الخبرة , ومن أجل أن نحقق هدفاً راقٍ و نقي .
فشدوا الهمة يا أولياء الأمور وصححوا أوضاعكم مع أبنائكم فهم غراس نافع إذا تم استثماره , وأنتم أول من سيجني ثماره , فسارعوا بالبدء وضعوا خطةً , واتفقوا في الآراء وتقربوا للأبناء ,وحاوروا , وناصحو وشاركوا وشجعوا وناقشوا واسعدوا وتداركوا ما فات .