وعدتكم أعزائي القراء أن أعود لعرض بعض الإقتراحات والبدائل لما طرحته في مقالتي السابقة . وقبل البدء , دعونا نتفق على أمر هام جداً ونؤمن به ونضعه أمام أعيننا وهو أمر يعرفه الكتير ولكني أردده من أجل التذكير :
( تربية الأبناء تعتبر من جنس الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله ) . فهي تحتاج جهداً , تفكيراً , تطويراً , سعياً , إبداعاً , تنازلاً, وعطاء . فإذا جعل من العملية التربوية مجال للدعوة إلى الله ونوى الوالدين , ذلك وصدقت النية وفقت الجهود وبورك فيها .
" وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم ..... ويتضاعف أجرها من عظيم ذو مكارم" .
وبما أننا في عصر التقدم والإبتكار , فإنني أحب أن أنوه لأمر اخر وهو ضرورة إستخدام الفكر الإبداعي في التربية الذي من شأنه تحقيق أهداف مشتركة خصوصاً مع أجيال هذا الزمان .
ولأسهل ذلك أذكركم بالمثل الذي يقول " نضرب عصفورين بحجر ".
فمع إستبدال الألفاظ ب " يا مبدع" , " يا فنانة " , " يا طيب القلب " , " يا ست البنات " , نبحر أيضاً في التفكير لإختيار ألفاظ تتناسب مع شخصياتهم , فكرهم , وسلوكهم وعندها نكون قد حققنا أكثر من هدف . فترديد لفظ جميل على مسامعهم يكتب لنا به أجر الصدقة لأنه كلمة طيبة إضافة إلى التأثير الإيجابي الذي سيعكسه ذلك اللفظ من تقدير وتشجيع ورفع شأن .
أما فيما يخص الدراسة بنتائجها وإختيارها وما يترتب عليها , فهذه الحرية المطلوبة التي من الواجب أن تعطى لهم بعد مناقشات وحوار واستنتاج لمواقف تم تعليمهم إياها لفهم معنى تحمل المسؤولية .
نعم , أبنائنا يجب أن يتعلموا قواعد الحرية التي يعتبر تحمل المسؤولية أحدها.
و بممارسة ذلك سيجيدوا إختيارات كثيرة ويضعوا لها حسابات مسبقة . ولا يقتصر تحمل المسؤولية على جانب الدراسة والتعليم والمهنة فقط بل في كثير من أمورهم الحياتية ولو كان أبسطها إختيار إرتداء حذاء عادي بدلاً من حذاء رياضي أثناء لعب الكرة مثلاً وقيسوا على ذلك إختيار الأصدقاء , الملابس والطعام وغيرها . ولكن أذكر أن هذا لا يتم إلا بعد وضع أسس وقواعد وشروط هذه الحرية حتى يحاسبوا بعدها في حال إساءت تطبيقها . أما أن تكون حرية مفتوحة دون ضوابط , روادع أو عقوبة فهذه هي الفوضة المرفوضة . وإذا أعدنا قراءة المقالة السابقة وأستخدمنا الفكر الإبداعي لإيجاد رابط بين غياب الوالدين , الأجهزة الإلكترونية والعلاقة مع المستخدمين لوصلنا إلى محصلة التالية : كلما زاد غياب الوالدين عن الأبناء فقدوا القدوة و قلت نسبة تواصلهم الإجتماعي . كلما زاد غياب الوالدين تعلق الأبناء ببدائل أخرى . وكلما زادت نسبة تغيبهم قلت نسبة معرفة الأبناء للواجبات , الحقوق , الاداب , السلوك , الواجب أو المستحب و الحدود في المعاملة مع الاخرين وخاصة ً الغرباء منهم . فتواجد الوالدين عنصر أساسي في نجاح العملية التربوية و إن كان لابد من التغيب فيكون بجدولة مدروسة بحيث يكون هناك تواجد لأحدهم يعوض غياب الاخر وعلى أن يكون هذا الحضور فعالاً . فمن خلاله تتوطد العلاقات , وتوزع المسؤوليات , وتتقارب الأفكار , و تعلم دروس الحياة , و تناقش المقترحات , وتنصهر حواجز إختلاف التفكير . و أما من يعتبر غيابه معوضاً بالإغداق المادي و توفير الطلبات فقد أساء مع إحترامي فهم معنى التربية وشمله ضرر هذا السلوك قبل أن يشمل من يعول . فالمادة لا تعوض فقدان الوالدين.
اتركوا لهم في نفوسهم أثراً , بصمةً وذكرى . اسمعوهم كلمات إطراءً , إعجاب , و تشجيع أرفعوا من شأنهم , وحملوهم مسؤولية ما وتابعوهم في ذلك . اجتمعوا معهم مهما كانت مشاغلكم ولا تتنازلوا عن جمعة واحدة في اليوم لتنظروا إلى وجوههم الجميلة التي ربما نسيتم ملامحها مع إنشغالاتكم . وضعوا قوانين تحترم أثناء هذا اللقاء الخاص .
عاتبوهم عاقبوهم ولكن بعيداً عن مهانة الضرب , أعطوهم الحرية المحدودة المقرونة بنتائج المسؤولية , علموا بناتكم التستر والحشمة وحدود اللباس , وعلموا أولادكم غض البصر . عرفوهم بحدود العلاقات مع الاخرين وفروا لهم طعام لذيذاً و أشركوهم في عمله تخيروا العمر المناسب لإعطاهم أجهزةً خاصة وقننوا كيفية وتوقيت الإستخدام ودعوهم يشتركوا في جهاز واحد فمن خلال هذا التصرف ستبنى علاقات جيدة بينهم و سيتعلموا منها .
هذا قليل من كثير يمكن الأخذ منه أو الإضافة عليه من أجل أبنائكم الذين هم نعمة وغراس طيب سيؤتي ثمره ولو كان بعد حين . فأحسنوا رعايتهم وتحملوا مسؤوليتهم وأشعروهم بحبكم وراقبوا أنفسكم قبل مراقبتهم ودمتم.