كنتُ طفلةً بريئة ، بمنزلٍ من أبٍ وأمٍ أميون ،
كنتُ أبلغُ الثالثة عشر ، لازلتُ أخطط لمستقبلي الذي رسمتهُ زاهراً .
رغم أنهم علموني بأن المرأة لا تعمل ولا تدرس تعيش لتبلغ سنّ الزواج فتتزوج وتنجب وتصبحُ مربية تزوج أبنائها وتنتظر الموت .
هذه كانت العادات حينها كان أبي يُكرر تِلك العبارات دوماً على أذني .
حتى أنني كُنت أصلي دائماً وأدعي الله أن لا أتزوج ، وأخرج بشكلٍ "بشِع " أمام نِساء القرية .
حتى أتى اليوم الذي طلب يدآي أحمد .
لم يُكن لي الحق لأرفض ، فتزوجنا .
أنتقلنا لمدينة الرياض ، حيثّ لا نعرفُ سوى عائلة أحمد .
عاهدني بأن يمنحني الحياة ويجعلني أعيش .
وليتهُ لم يفعل ، ليتني بقيت كما علموني أنتظر حملي لأربي إبني وأكمل مسيرة حياتي وِفق ما رسموه .
تزوجت وأنا أبلغ الثالثة عشر ، جلب ليّ هاتفاً ، وأسكنني منزلاً جميل ، دللني كثيراً وبتُ أعيش حياةً طبيعية .
حملتُ ولم أهتم بشأن ذلك كثيراً .
لم يتغير شيءً غير أنني كُنت لا أتحرك كثيراً ، وأمضي الكثير من الوقت في النومّ .
مرتّ التسعة أشهر وأنجبت جوآن .
وكبُرت مع أمٍ مُهملة لا تتذكر سوى موعد إجتماع صديقاتها ، والمكان الذي خبأت به الشاحن .
وما تبقى ليس ضمن لائحة إهتمامها ،
لم أكن أعتني بأبنتي كثيراً ورُبما ابداً .
حتى انها نطقت إسم الخادمة قبلي .
ركضت السنوات ، ونحنُ كما نحنُ .
أحمد لا ينهضُ من فِراشة حتى أن مصروفنا يأتي من قبل والديه .
وأنا لا اكف عن تجمعات صديقاتي التي تمتد إلى الفجر .
لم يتغير سوى أن جوان بلغت سن الدراسة .
لم أكن أشأ أن تكبُر جوان كما كبُرت وسلمتُ يداها الصغيرة الورقة والألوان لترسم مستقبلها بيداها مُستقبل أشبهُ ببستانٍ زاهر ليس لأحد الحق ليجعلهُ حُطام .
ولكن شاء القدرّ ليجعلها تكبُر بفضيحة ، مما جعلني أتمنى لو أنها كبُرت كما كبُرت أنا بقائمة ملاحظات لا يجب أن تخالف إحداها .
سجلتُ جوان بمدرسة ،
وهذا الشيء الوحيد الذي فعلتهُ ، أما مستلزمات المدرسة ، الذهاب والعودة ، فكانت تلك من مُهمات السائقِ والخادِمة .
مرّ الأسبوع الأول ظننتُ بأن هدوء جوان أمر طبيعيّ .
مر الآخر والذي يليه وجوان تعيش بحالةٍ من الذعر ،
أتذكر بأنها أتت إليّ مرة ،
كانت تبكيّ لا ترغبُ بالدوام لم أفعل سوى أنني غيرتُ طريقة إستلقائي فحسب !
كبُرت جوان ، وكبُر الهدوء والخوف بداخلها .
عدة مرات كانت ترغب بأن تقول لي شيءً ،
فتشد ذراعي إلى غرفتها ولكن لا أهتم لأمرها .
أنتابني الفضول ذات مرة ، فذهبت إلى غرفتها لأستمع إلى الحديثّ .
فإذا بها تقول لي : أودُ أن أذهب إلى المدرسة .
حسناً عزيزتي غداً تذهبين .
ولكنني أذهب مع السائق للعبة .
ليس هُناك ألعاب يا طفلتي أنتي تذهبين مع السائق إلى المدرسة .
إذاً انا لا أحب المدرسة ليس هُناك أطفال .
هههههههههههههههههههه جوان ماذا تقولين ؟
كيف ليس هناك اطفال !
يعني أنه لا يوجد سوى الأستاذ السائق .
كيف ذلك ؟
يعني أننا نذهبُ إلى مكانٍ مُظلم فيقبلني لنذهب بعدها الى الألعاب .
حتى أنكِ لم تسأليني عن شهادتي في الصف الأول لذا لم أستخدم كذبتهُ التي علمني بأنها حُرقت .
لم أشعر الا بألم قبضة يداي بعد صفعتي لها .
كيف تجرئين على قول هذا ؟ الا تملكين حياء ؟
أنتِ تعلمين عن من تتحدثين ؟
عن سائقٍ هُنا قبل أن تلد أمك .
يعني أن أخبرتي أباكِ سوف أتطلق ، سوف تعيشين كما عشتُ انا .
صفقتُ الباب وخرجت وكنت أثق بأن ما تقوله هراء .
إلى أن مضت السنين ، بلغتُ الواحد والعشرين عام
وبلغت جوان الثامنة .
كانت تصمت كثيراً هادئة ، تخاف ، لا تشعرُ بالأمان ، تبكي ، تعود من المدرسة في وقتٍ متأخر وكثيراً ما تعقدُ وشاحاً حول عنقها لتخفي اثار الدماء لأن الوقح علمها بأني سوف أغضب منها واضربها إن لم تفعل ذلك .
إلى إن رأيت اثار الدماء على عُنق طفلةً بريئة لأول مره في حياتي أوقظها .
كُنت قد وصلت لسن الرشد أخيراً لأنقذ حياة إبنتي .
لم تكن تتحدث فذهبتُ لطبيب نفسي أولاً .
لم يخبرني سوى أنه من الضروري أخذها للطب الشرعي .
ولكن جوان طفلة ؟
وكانت إجابته التي كسرت روحيّ : أنا أعلم أنها طفلة ولكن ليتكِ انتِ أدركتي هذا قبل فوات الأوان .
انتظرنا النتائج .
وكانت جوان قد تعرضت لتحرشٍ جنسيٍ شنيع .
ليعود الزمان !
لأتطلق !
لأحضن طفلتي بدلاً من أن أصفعها !
لأترك الصديقات الآتي يتحدثن الآن بهذهِ الفضيحة وأهتم بأبنتي .
ولكن الزمان لن يعودّ .
وجوان لن تسامحني .
بل لن تراني إطلاقاً .
لأن مستشفى يضم ذوي الحالات العقلية لا يتمُ الخروج منهُ بسهولةّ .
ولا أحد يملك الحق هُنا ليخرجني سوى أحمد ، وأحمد يكرهني الآن ، لأني من جلبتُ العار لعائلته .
أصبتُ بصدمةٍ نفسية وعصبية وأنا هُنا ليعيش عقلي على الأدوية ، وما أن أتوقف عنها حتى أفقد عقلي وأثرثر بالهراء .
إليك أيها القارئ :
أتمنى أن لا تغلق هذه الرسالة دون أن تتعلم شيئاً مهماً .
وهو أن تتعلم كيف تتخلص من الجهل وتراقبُ أبنائك خوفاً عليهم ،
أن الخجل الصمت البُكاء وعدم الشعور بالأمان ليستّ أموراً طبيعية بالنسبة لأطفالنا ويجب علينا معرفة أسبابها .
أوصل إبنك إلى المدرسة بدلاً من السأئق وأهتمي بأبنتكِ بدلاً من الخادمة .
ولنتعاون نحو صناعة جيلٍ خالٍ من التحرش .
نجاة عبد الحميد السليماني - جده