انتزعت السعودية، يوم امس، دعماً عربياً شبه كامل في النزاع الديبلوماسي القائم بينها وبين ايران، إذ أدان وزراء الخارجية العرب الهجمات التي استهدفت البعثات الديبلوماسية السعودية في ايران، محذرين من أن الجمهورية الاسلامية ستواجه معارضة أكبر إذا واصلت تدخلها في شؤون الدول العربية.
وأتى الدعم العربي للسعودية، خلال اجتماع طارئ عقده وزراء الخارجية العرب في القاهرة، وسبقه اجتماع وزاري خليجي في الرياض.
وعقب اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية، قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن قطع العلاقات الديبلوماسية والتجارية مع إيران خطوة أولى وإن بلاده ستناقش مع حلفائها الدوليين والإقليميين إجراءات محتملة أخرى ضد الجمهورية الإسلامية، من دون أن يذكر مزيدا من التفاصيل.
وقال الجبير في مؤتمر صحافي عقب الاجتماع إن إيران ستواجه معارضة من كل الدول العربية إذا واصلت دعم «الإرهاب والطائفية والعنف».
الى ذلك، أشار الجبير الى أن دولاً عدّة عرضت التوسط في الخلاف مع ايران، لكنه أشار إلى أن تلك الجهود لن تحقق أي تقدم على الأرجح.
وأوضح الوزير السعودي «في ما يتعلق بالوساطة هناك بعض الدول أعربت عن استعدادها للقيام بذلك، ولكن المهم هو الجدية في الموقف الإيراني».
وأكد مجلس وزراء الخارجية العرب في قرار أصدره في ختام الاجتماع «التضامن الكامل مع السعودية في مواجهة الاعمال العدائية والاستفزارات الايرانية ودعم جهودها في مكافحة الارهاب ودورها في تعزيز الامن والاستقرار في المنطقة».
كما عبر عن «استنكاره للتصريحات الايرانية العدائية والتحريضية ضد السعودية في ما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق عدد من الإرهابيين» في إشارة الى إعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، أحد أبرز وجوه المعارضة الشيعية للأسرة السعودية السنية الحاكمة، و46 آخرين بتهمة «الارهاب».
وشدد الوزراء في قرارهم، الذي امتنع لبنان عن التصويت عليه، على «دعم» جهود السعودية «في مكافحة الارهاب ودورها في تعزيز الامن والاستقرار في المنطقة»، وأدانوا «تدخل ايران المستمر في الشؤون الداخلية للدول العربية على مدى العقود الماضية» معتبرين ان «هذا النهج يؤدي الى زعزعة الامن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، كما يعتبر انتهاكا لقواعد القانون الدولي ومبدأ حسن الجوار».
وندد المجلس «بالتدخل الايراني فى الازمة السورية، وما يحمله ذلك من تداعيات خطيرة على مستقبل سوريا وأمنها واستقرارها ووحدتها الوطنية وسلامتها الاقليمية»، وكذلك «بتدخلات ايران في الشأن اليمني الداخلي عبر دعمها للقوى المناهضة لحكومة اليمن الشرعية، وانعكاس ذلك سلبا على أمن واستقرار اليمن ودول الجوار والمنطقة عامة».
وطالب الوزراء ايران بـ «الامتناع عن السياسات التي من شأنها تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية والامتناع عن دعم الجماعات التي تؤجج هذه النزاعات في دول الخليج العربي»، ودعوها الى «وقف دعم الميليشيات والاحزاب المسلحة داخل الدول العربية».
ولم يقرر البيان أي إجراءات مشتركة محددة ضد إيران، لكنه شكل لجنة أصغر من أمانة جامعة الدول العربية وممثلين من مصر والإمارات والسعودية والبحرين لمواصلة بحث الخلاف.
وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي ان اللجنة المصغرة ستجتمع في الخامس والعشرين من كانون الثاني الحالي في الإمارات.
وكان الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي قد قال في افتتاح الاجتماع الوزاري ان «المنطقة لا تتحمل أي أعمال استفزازية وأي محاولة لبث الفتنة الطائفية بين مواطني الدول العربية».
واعتبر انه «يقع على عاتق ايران مسؤولية ترجمة ما تعلنه عن رغبتها في تحسين العلاقات مع الدول العربية وإزالة التوتر الى خطوات جادة وملموسة وان تقوم بخطوات فعلية لإزالة كل أسباب التوتر والكف فورا عن أي تدخلات تمارسها».
بدورها، نددت مصر بـ «التدخـل الإيراني في الشؤون الداخلية السعودية» مؤكدة وقوف مصر «الى جانب المملكة العربية السعودية وإخوتنا في الخليج العربي وقفة صلبة».
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري في كلمته ان «مصر ترفض رفضا تاما ما صدر عن المسؤولين الايرانيين من تهديدات» للسعودية «بسبب قيامها بإنفاذ قوانينها الداخلية على مواطن سعودي، بين آخرين لمجرد أنه ينتمي إلى الطائفة الشيعية التي تشكل غالبية الشعب الايراني».
وتساءل شكري «هل يقبل المسؤولون الإيرانيون أن تتدخل دول أخرى مثلاً عندما تطبق إيران قوانينها في التعامل مع مواطنيها من السُنة؟».
وكانت دول مجلس التعاون الخليجي قد أعربت، خلال اجتماع عقده وزراء خارجيتها في الرياض امس الاول، عن «تأييدها الكامل» للسعودية في الازمة القائمة.
وأكد مجلس التعاون الخليجي «إدانته الشديدة ورفضه القاطع للاعتداء على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مدينة مشهد الايرانية».
واستنكر المجلس الوزاري «التدخلات الايرانية السافرة في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية» في إشارة الى مواقف التنديد التي صدرت في ايران اثر إعدام الشيخ النمر، معتبراً ان هذه التصريحات «العدائية» تشكل «تحريضا مباشرا للاعتداء على البعثات الديبلوماسية للمملكة العربية السعودية» في ايران.
وفي المقابل، شكا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للأمم المتحدة من «استفزازات» سعودية للجمهورية الاسلامية.
وفي خطاب موجّه الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قال ظريف إن «البعض» في الرياض يبدو عازما على جر المنطقة كلها الى الأزمة القائمة.
وقال ظريف إن إيران «ليست لديها رغبة» في تصعيد التوترات أكثر، لكنه لم يعرض تسوية، إذ ألقى باللائمة في الأزمة والاضطرابات الأوسع بالمنطقة على السعودية مباشرة.
وأضاف ظريف «يمكن لهم (السعوديين) مواصلة دعم الإرهابيين المتطرفين وتأجيج الكراهية الطائفية أو اختيار طريق حسن الجوار ولعب دور بناء في الأمن الإقليمي»، مشيراً الى أن السعودية قامت بسلسلة من «الاستفزازات المباشرة» للجمهورية الاسلامية، ومن بينها إعدام النمر، وما وصفها بأنها «إساءة المعاملة المستمرة» للحجاج الإيرانيين.
وصوّر ظريف السعودية، في الخطاب، على أنها تهديد للأمن الإقليمي والعالمي.
وجاء في الخطاب ان «معظم أعضاء (تنظيمات) القاعدة وطالبان والدولة الإسلامية وجبهة النصرة مواطنون سعوديون أو تعرضوا لغسيل مخ من قبل أشخاص يهيجون المشاعر ويملكون أموال النفط».
كما اتهم ظريف الرياض بمحاولة وأد الاتفاق النووي التاريخي.
من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الايرانية حسین جابر انصاري ان «السعودیة لن تكسب شیئاً من حرب السفارات وسترضخ للواقع الذي یحیط بها عاجلا أم آجلا».
وشدد علی أن «ایران لا تعاني من أزمة الهویة التي تعانیها السعودیة، بل تستمد شرعیتها من الشعب»، مؤكداً ان الجمهورية الاسلامية «لا ترید إثارة التوتر وقد حددت سیاساتها في هذا الاطار... ولیست في حاجة الی إثارة الازمات وانما تسعی الی استقرار المنطقة».
بدوره، قال رئيس لجنة الامن القومي والسیاسة الخارجیة في مجلس الشوری الاسلامي (البرلمان) علاء الدین بروجردي إنّ قطع السعودیة علاقاتها مع ایران «کان مخططا له نظراً للهزائم التی مُنیت بها السعودیة في المنطقة».
وأضاف بروجردي، خلال مشاركته في مراسم اربعینیة السفیر الایراني السابق في لبنان غضنفر رکن ابادي الذي قُتل مع مئات آخرین أثناء الحج، ان «قطع الریاض علاقاتها مع طهران قرار کان مخططا له مسبقا لان السعودیة لقیت الفشل فی سوریا والعراق ولبنان رغم الأثمان الباهظة جدا التي صرفتها».