كانت هذه المهنة أصلاً " أوسمة شرف " تمنح للعلماء والفقهاء من سكان الحرمين الشريفين الذين كانوا يستقبلون وفود الدول الإسلامية المختلفة ممن يفهمون لغاتهم، حيث كانت بيوت هؤلاء العلماء ملجأ طوال العام لطلبة العلم الذين يفدون في مواسم الحج. ويتركهم أهلوهم عند هؤلاء العلماء ليفقِّهوهم في الدين وكان لهؤلاء العلماء حلقات لتلقّي دروس العلم في الحرم المكي، وفي المدينة المنورة، وفي المسجد النبوي الشريف بعد صلاة الفجر وفي أطراف النهار. ومن بينهم طلبة حفظ القرآن الكريم.
وقد أسهمت بيوت العلم هذه في تخريج العديد من أبناء البلاد الإسلامية الذين كانوا يعودون إلى بلادهم لأداء رسالة العلم والعرفان وخصوصاً في جنوب شرق آسيا وفي شبه جزيرة الهند بما فيها باكستان اليوم وفي تركيا وأفغانستان والقوقاز والتركستان.
ولهذا كان الأثرياء إذا حضروا للحج ومعهم ثروات الزكاة والصدقات يشترون المساكن أو يبنونها وقفاً على مطوفيهم في مكة المكرمة وأدلاّئهم في المدينة المنورة، وللطلاب المجاورين. فانتشرت الدور والأربطة والتكايات والوقف ويظهر عند الرجوع إلى صكوك هذه الأوقاف وجود النصوص لشرط الواقف للأغراض المذكورة ثم تعود وقفيتها بعد ذلك لشؤون الحرمين الشريفين وبعض العاملين فيها من أغوات ومؤذنين وغيرهم. وكان حكام مكة وبعض الولاة الأتراك يمنحون هؤلاء العلماء والقضاة ورجال الفتوى صكوكاً وفرمانات بجعلهم مطوفين. وهي ما عرف تفسيره أخيراً (بالتقارير) ثم أصبحت هذه التقارير بعد غزو المستعمرين للكثير من البلاد الإسلامية أداة حجز للحجاج في أيدي ورثة أولئك العلماء ممن عرفوا بأصحاب التقارير في عهد جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله - وكان القليل من خدم هؤلاء العلماء يزاولون خدمة الحجاج من غير بلاد (التقارير) وهو ما عرف (بالمشاع). وفي عهد جلالة الملك عبد العزيز طورت مهنة التطويف. وفتح الباب لتسجيل كل من خدم المهنة لسنوات محددة وبشروط وضعت لذلك ويمنح رخصة (الطوافة) وتصبح إرثاً بعده لأولاده وبناته شرط ألا يتعرض أصحاب (السؤال المشاع) لأصحاب (التقارير) ومن مواد الأنظمة التي وضعت لشؤون الطوافة تظهر هذه التحفظات.
وبعد وفاة المطوف يسمح لأبنائه بالانفصال مقابل مبلغ معين. ويحق للبنت أن تنفصل عن شركائها إذا كان لها زوج أو ولد يقدران على مزاولة مهنة الطوافة - وفي عهد جلالة الملك فيصل ألغيت (التقارير) وفسح لكل مطوف ليعمل في جلب الحجاج فعمَّت السمسرة حتى أصبح المطوف يشتري الحاج ليسأل عنه مقابل (45 خمسة وأربعين ريالاً) يدفعها للسمسار ويقنع هو بخمسة ريالات عن كل حاج مستعيناً بضخامة الأعداد ليزيد دخله البسيط. وبصدور قرار لجنة الحج العليا، الذي كان هدفه إلغاء السمسرة وتوفير المبالغ في جيوب المطوفين تم إلغاء السؤال وتوزيع الحجاج على المطوفين بحسب متوسط الثلاث سنوات التي سبقت قرار لجنة الحج العليا ووضع حد أدنى (مائة حاج) لمن لم يرد له حجاج أو كان عدده أقل من المائة حاج وكان الحد الأعلى (ثلاثة آلاف حاج).
ولما ضج حجاج العالم الإسلامي بحجة أن عملية التوزيع المطلق قد تعطي الحاج لمطوف لا يعرفه ولا يرغبه انتهى الأمر إلى إقرار المتوسط أساساً للخدمة وأن يتم سؤال الحاج في حدود المتوسط أو النسبة التي حددت بعده بدون أجر. وأن يتم التوزيع للحجاج الذين لا يسألون عن مطوفين. ويزيد عدد المطوفين على (1500 - ألف وخمسمائة مطوف - يتراوح عددهم مع شركائهم نحو خمسة آلاف فرد).
(نشأة الطوافة)
تشير كتب التاريخ إلى أنم هنة التطويف ابتدعت عام 884 هجرية في عهد المماليك الأتراك والشراكسة. وبحكم جهلهم اللغة العربية وميلهم إلى الأبهة والبذل كانوا يفضلون أن يعتمدوا على من يخدمهم ويدلهم على مشاعر الحج ويتلو أمامهم أدعيته.
وقد ذكروا أن السلطان قايتباي حج عام 884 هجرية ولم يحج من ملوك الشراكسة غيره وأن القاضي (إبراهيم بن ظهيرة) تقدم لتطويفه وتلقينه الأدعية ولم يذكر المؤرخون مطوفاً قبل القاضي كان يلقن الحجاج في مكة.
ثم في العهد العثماني الأول (1040 - 1217) كانت واردات مكة من الحجاج والمكوس من نصيب الأمراء - في مكة يستولون عليها ويجعلون بعضها أسهماً توزع على أقرباء بيت الإمارة وقد ظل ذلك شأنهم إلى سنوات طويلة من أوائل الفتح العثماني إلى أن استطاع قانصوه الوالي التركي في جدة أن يستغل ضعف أمير مكة وأن يضع يده على جميع الواردات ليضمّها إلى خزانة الدولة العثمانية.
(ومهنة الطوافة) التي ابتدعت في عهد الشراكسة اتسع نطاقها قليلاً في أوائل العهد العثماني لأن أمراء الأتراك ورؤساءهم كان لا بد لهم من أشخاص يطوفونهم.
وإذا كان أول مطوف عرف في عهد الشراكسة كان قاضياً في مكة. فالذي يظهر أن الطوافة في العهد العثماني خرجت من سلك القضاة قليلاً إلى بعض الأعيان في مكة فظهر اسم (محمد العياس) وهو كما تذكر كتب التاريخ من الوجهاء المتفقهين من أهالي مكة.
في العهد العثماني الثاني عادت مكة إلى تبعيتها للعثمانيين مرة أخرى على أثر ترحيل جيوش خديوي مصر محمد علي باشا منها وبعد أن كان أمراء مكة من الأشراف يتمتعون بواردات بلادهم - وضع الأتراك أيديهم على هذه الواردات مبيحين لهم قسطاً محدوداً منها. حيث رتبوا لهم رواتب يتقاضونها بموجب الكادر العام للدولة إلا أن بعض الأمراء كانوا يخترعون لهم مصادر يستوردون منها بعض الأموال كتخريج الجمال وأتاوات أخرى يتقاضونها من بعض (رؤساء الطوائف) العاملة في طوافة الحجاج أو (حلقات بيع الخضار) وكان الأتراك لا يعارضونهم في ذلك إلا نادراً.
وفي هذا العهد يقول المؤرخون إن مكة عاشت مستقرة أكثر مما كانت في عهود سابقة. فتمتع الأهالي بطمأنينة - اجتماعية وأخذوا ينعمون بأرواحهم من خيرات العثمانيين و (صدقات الحجاج) الذين تدفقوا على أداء الفريضة ألوفاً مؤلفة وزاد تدفقهم على أثر شيوع البواخر ومساهمتها في نقل الحجاج عام 1291 هجرية واتسع نطاق (الطوافة) في هذا العهد وزاد عدد المطوفين بعض الشيء وكان أمراء مكة يخصصون بعض (المطوفين) لطوافة جهات خاصة من الآفاق بموجب تقرير يوقعه أمير مكة.
وتقول كتب التاريخ إن أقدم تقرير في الطوافة جرى الاطلاع عليه هو تقرير (آل جاد الله) بتوقيع الشريف غالب عام (1205) ولعل بعض الأسر من المطوفين يحوزون أقدم من هذا التقرير وقد توسع الشريف (عون الرفيق) في توزيع البلاد الإسلامية إلى أقسام تقرر لها (مطوفون) فكان كل مطوف مسؤولاً عن البلد الذي تخصصت له وشرع بعد هذا رسوماً للمطوف.
وفي سنة 1326 صدر قرار مجلس الإدارة (بتعرفة الحجاج) ونشرته جريدة الحجاز وهو كما يأتي: - عدد:
1 جنيه عثماني أجرة مسكن بمكة للجاويين.
2 جنيه عثماني إكرامية مطوف وضيافة في عرفة ومنى ومن توفي قبل الوقوف فعليه نصف المقرر.
10 ربيات هندية إكرامية المطوف لعموم أجناس الهند.
2 جنيه عثماني على الحاج الداغستاني إكرامية مطوف وأجرة خيمة في عرفة ومنى وبيت مكة.
5 ريالات مجيدية على حجاج مصر والشام والمغرب إكرامية مطوف.
2 ريال مجيدي لأهل الصعيد وغزة والعراق وأولاد علي والأكراد وعلى كل حاج عدا من ذكر أن يدفع لمطوفه إكرامية جنيه واحد للميسور ونصف جنيه لمتوسط الحال.
(المطوفون الحاليون من ذرية العلماء)
اشتهر كثير من العلماء المجاورين ممن تلقّى العلم في مكة ثم اتخذ له في المسجد الحرام أو في بيته طلبة يدرس لهم وأطلق اسم (المشائخ) للجاويين مطوفي هذه الفئات.. ومن بينهم: أحمد الخطيب سمبس، وإسماعيل منكابو، وأحمد الجاوي، ومرزوق الجاوي، ومحمد أزهر وعبد الله بن محمد أزهري، ومحمد شاولي، ونواوي خالدي، ونور الفطاني، ومحمد سمباوا.
كل هؤلاء مشائخ علماء كانوا في عصر الأتراك الثاني. ويوجد بيننا الآن ورثتهم من مشائخ الجاوة ممن يحملون الأسماء والألقاب بحكم التوارث.
(المطوف الشيخ تقي الدين الزرعة)
في القرن الثالث عشر اشتهر من الـ (الزرعة) عدة أئمة في المقام الحنفي بالمسجد الحرام بمكة وكان منهم الشيخ تقي الدين الزرعة وهو من أئمة المسجد ويمتهن (التطويف) وكان يسكن القشاشية كما تقول كتب التاريخ واشتهر أولاده بعده ببيت (تقي) وهم مطوفون إلى اليوم.
(المطوفون آل العجيمي)
أول من عرف منهم هو الشيخ حسن المتوفى في الطائف عام 1113 وكانت شهرته بين الآفاق أكبر من شهرته في مكة وقد ترجم لنفسه في رسالة أسماها (أسبال الستر) ذكر فيها بطون من أجداده كانوا مكيين. ومن أشهرهم الشيخ عبد الحفيظ العجيمي وكان مفتي مكة. وكانت منهم (أم الحسين) وهي معروفة بين الفقهاء وغيرها ونسلهم اليوم (مطوفون) ضمن فئات الأتراك والدول العربية.
(مطوفون من نسل علماء مكة)
في كتب التاريخ وردت أسماء كثير من العلماء الذين اشتهروا في مكة ومن أسمائهم وألقابهم نجد أسماء وألقاباً لبعض المطوفين تتردد في الوقت الحاضر وعلى سبيل المثال: الشيخ تاج الدين الدهان، وعثمان الدهان وبدر الدين العادل، ويحيى المسكي، وداود الأنطاكي الحكيم، ومحمد المشلي، ومحمد عاشور، ومحمد سنبل، وسالم ابن الشيخ عبد القادر المفتي، ومحمد سعيد سنبل.
وذكرت كتب التاريخ أن هذه الأسماء لأعيان من العلماء من أهالي مكة الذين استوطنوا مكة ولم يكونوا من المجاورين.
(المطوفون في رعاية عبد العزيز آل سعود)
كان من الشرف الذي توَّج رأس المطوفين، عناية المغفور له الملك (عبد العزيز آل سعود) طيب الله ثراه بهم وقد سار بعده أولاده على منواله.
فكان أول مرسوم ملكي (أصدره عبد العزيز) بعد دخوله مكة عام 343هـ منشوراً لمن في مكة وضواحيها من سكان الحجاز الحاضر منهم والبادي وقد نصت المادة الرابعة منه على ما يلي:
(كل من كان من العلماء في هذه الديار أو موظفي الحرم الشريف أو (المطوفين) ذا راتب معيَّن فهو له على ما كان عليه من قبل إن لم نزده فلا ننقصه شيئاً إلا رجلاً أقام الناس عليه الحجة أنه لا يصلح لما هو قائم عليه فذلك ممنوع مما كان له من قبل. وكل من كان له حق ثابت في بيت مال المسلمين أعطيناه حقه ولم ننقصه شيئاً).
كانت هذه نبذة عن تاريخ الطوافة وسوف نواصل فى القادم عن الطوافة تاريخها ـ حاضرها ـ مستقبلها .
المصدر : اثنينية عبد المقصود خوجه
http://www.alithnainya.com/tocs/default.asp?toc_id=14218&toc_brother=-1
وقد أسهمت بيوت العلم هذه في تخريج العديد من أبناء البلاد الإسلامية الذين كانوا يعودون إلى بلادهم لأداء رسالة العلم والعرفان وخصوصاً في جنوب شرق آسيا وفي شبه جزيرة الهند بما فيها باكستان اليوم وفي تركيا وأفغانستان والقوقاز والتركستان.
ولهذا كان الأثرياء إذا حضروا للحج ومعهم ثروات الزكاة والصدقات يشترون المساكن أو يبنونها وقفاً على مطوفيهم في مكة المكرمة وأدلاّئهم في المدينة المنورة، وللطلاب المجاورين. فانتشرت الدور والأربطة والتكايات والوقف ويظهر عند الرجوع إلى صكوك هذه الأوقاف وجود النصوص لشرط الواقف للأغراض المذكورة ثم تعود وقفيتها بعد ذلك لشؤون الحرمين الشريفين وبعض العاملين فيها من أغوات ومؤذنين وغيرهم. وكان حكام مكة وبعض الولاة الأتراك يمنحون هؤلاء العلماء والقضاة ورجال الفتوى صكوكاً وفرمانات بجعلهم مطوفين. وهي ما عرف تفسيره أخيراً (بالتقارير) ثم أصبحت هذه التقارير بعد غزو المستعمرين للكثير من البلاد الإسلامية أداة حجز للحجاج في أيدي ورثة أولئك العلماء ممن عرفوا بأصحاب التقارير في عهد جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله - وكان القليل من خدم هؤلاء العلماء يزاولون خدمة الحجاج من غير بلاد (التقارير) وهو ما عرف (بالمشاع). وفي عهد جلالة الملك عبد العزيز طورت مهنة التطويف. وفتح الباب لتسجيل كل من خدم المهنة لسنوات محددة وبشروط وضعت لذلك ويمنح رخصة (الطوافة) وتصبح إرثاً بعده لأولاده وبناته شرط ألا يتعرض أصحاب (السؤال المشاع) لأصحاب (التقارير) ومن مواد الأنظمة التي وضعت لشؤون الطوافة تظهر هذه التحفظات.
وبعد وفاة المطوف يسمح لأبنائه بالانفصال مقابل مبلغ معين. ويحق للبنت أن تنفصل عن شركائها إذا كان لها زوج أو ولد يقدران على مزاولة مهنة الطوافة - وفي عهد جلالة الملك فيصل ألغيت (التقارير) وفسح لكل مطوف ليعمل في جلب الحجاج فعمَّت السمسرة حتى أصبح المطوف يشتري الحاج ليسأل عنه مقابل (45 خمسة وأربعين ريالاً) يدفعها للسمسار ويقنع هو بخمسة ريالات عن كل حاج مستعيناً بضخامة الأعداد ليزيد دخله البسيط. وبصدور قرار لجنة الحج العليا، الذي كان هدفه إلغاء السمسرة وتوفير المبالغ في جيوب المطوفين تم إلغاء السؤال وتوزيع الحجاج على المطوفين بحسب متوسط الثلاث سنوات التي سبقت قرار لجنة الحج العليا ووضع حد أدنى (مائة حاج) لمن لم يرد له حجاج أو كان عدده أقل من المائة حاج وكان الحد الأعلى (ثلاثة آلاف حاج).
ولما ضج حجاج العالم الإسلامي بحجة أن عملية التوزيع المطلق قد تعطي الحاج لمطوف لا يعرفه ولا يرغبه انتهى الأمر إلى إقرار المتوسط أساساً للخدمة وأن يتم سؤال الحاج في حدود المتوسط أو النسبة التي حددت بعده بدون أجر. وأن يتم التوزيع للحجاج الذين لا يسألون عن مطوفين. ويزيد عدد المطوفين على (1500 - ألف وخمسمائة مطوف - يتراوح عددهم مع شركائهم نحو خمسة آلاف فرد).
(نشأة الطوافة)
تشير كتب التاريخ إلى أنم هنة التطويف ابتدعت عام 884 هجرية في عهد المماليك الأتراك والشراكسة. وبحكم جهلهم اللغة العربية وميلهم إلى الأبهة والبذل كانوا يفضلون أن يعتمدوا على من يخدمهم ويدلهم على مشاعر الحج ويتلو أمامهم أدعيته.
وقد ذكروا أن السلطان قايتباي حج عام 884 هجرية ولم يحج من ملوك الشراكسة غيره وأن القاضي (إبراهيم بن ظهيرة) تقدم لتطويفه وتلقينه الأدعية ولم يذكر المؤرخون مطوفاً قبل القاضي كان يلقن الحجاج في مكة.
ثم في العهد العثماني الأول (1040 - 1217) كانت واردات مكة من الحجاج والمكوس من نصيب الأمراء - في مكة يستولون عليها ويجعلون بعضها أسهماً توزع على أقرباء بيت الإمارة وقد ظل ذلك شأنهم إلى سنوات طويلة من أوائل الفتح العثماني إلى أن استطاع قانصوه الوالي التركي في جدة أن يستغل ضعف أمير مكة وأن يضع يده على جميع الواردات ليضمّها إلى خزانة الدولة العثمانية.
(ومهنة الطوافة) التي ابتدعت في عهد الشراكسة اتسع نطاقها قليلاً في أوائل العهد العثماني لأن أمراء الأتراك ورؤساءهم كان لا بد لهم من أشخاص يطوفونهم.
وإذا كان أول مطوف عرف في عهد الشراكسة كان قاضياً في مكة. فالذي يظهر أن الطوافة في العهد العثماني خرجت من سلك القضاة قليلاً إلى بعض الأعيان في مكة فظهر اسم (محمد العياس) وهو كما تذكر كتب التاريخ من الوجهاء المتفقهين من أهالي مكة.
في العهد العثماني الثاني عادت مكة إلى تبعيتها للعثمانيين مرة أخرى على أثر ترحيل جيوش خديوي مصر محمد علي باشا منها وبعد أن كان أمراء مكة من الأشراف يتمتعون بواردات بلادهم - وضع الأتراك أيديهم على هذه الواردات مبيحين لهم قسطاً محدوداً منها. حيث رتبوا لهم رواتب يتقاضونها بموجب الكادر العام للدولة إلا أن بعض الأمراء كانوا يخترعون لهم مصادر يستوردون منها بعض الأموال كتخريج الجمال وأتاوات أخرى يتقاضونها من بعض (رؤساء الطوائف) العاملة في طوافة الحجاج أو (حلقات بيع الخضار) وكان الأتراك لا يعارضونهم في ذلك إلا نادراً.
وفي هذا العهد يقول المؤرخون إن مكة عاشت مستقرة أكثر مما كانت في عهود سابقة. فتمتع الأهالي بطمأنينة - اجتماعية وأخذوا ينعمون بأرواحهم من خيرات العثمانيين و (صدقات الحجاج) الذين تدفقوا على أداء الفريضة ألوفاً مؤلفة وزاد تدفقهم على أثر شيوع البواخر ومساهمتها في نقل الحجاج عام 1291 هجرية واتسع نطاق (الطوافة) في هذا العهد وزاد عدد المطوفين بعض الشيء وكان أمراء مكة يخصصون بعض (المطوفين) لطوافة جهات خاصة من الآفاق بموجب تقرير يوقعه أمير مكة.
وتقول كتب التاريخ إن أقدم تقرير في الطوافة جرى الاطلاع عليه هو تقرير (آل جاد الله) بتوقيع الشريف غالب عام (1205) ولعل بعض الأسر من المطوفين يحوزون أقدم من هذا التقرير وقد توسع الشريف (عون الرفيق) في توزيع البلاد الإسلامية إلى أقسام تقرر لها (مطوفون) فكان كل مطوف مسؤولاً عن البلد الذي تخصصت له وشرع بعد هذا رسوماً للمطوف.
وفي سنة 1326 صدر قرار مجلس الإدارة (بتعرفة الحجاج) ونشرته جريدة الحجاز وهو كما يأتي: - عدد:
1 جنيه عثماني أجرة مسكن بمكة للجاويين.
2 جنيه عثماني إكرامية مطوف وضيافة في عرفة ومنى ومن توفي قبل الوقوف فعليه نصف المقرر.
10 ربيات هندية إكرامية المطوف لعموم أجناس الهند.
2 جنيه عثماني على الحاج الداغستاني إكرامية مطوف وأجرة خيمة في عرفة ومنى وبيت مكة.
5 ريالات مجيدية على حجاج مصر والشام والمغرب إكرامية مطوف.
2 ريال مجيدي لأهل الصعيد وغزة والعراق وأولاد علي والأكراد وعلى كل حاج عدا من ذكر أن يدفع لمطوفه إكرامية جنيه واحد للميسور ونصف جنيه لمتوسط الحال.
(المطوفون الحاليون من ذرية العلماء)
اشتهر كثير من العلماء المجاورين ممن تلقّى العلم في مكة ثم اتخذ له في المسجد الحرام أو في بيته طلبة يدرس لهم وأطلق اسم (المشائخ) للجاويين مطوفي هذه الفئات.. ومن بينهم: أحمد الخطيب سمبس، وإسماعيل منكابو، وأحمد الجاوي، ومرزوق الجاوي، ومحمد أزهر وعبد الله بن محمد أزهري، ومحمد شاولي، ونواوي خالدي، ونور الفطاني، ومحمد سمباوا.
كل هؤلاء مشائخ علماء كانوا في عصر الأتراك الثاني. ويوجد بيننا الآن ورثتهم من مشائخ الجاوة ممن يحملون الأسماء والألقاب بحكم التوارث.
(المطوف الشيخ تقي الدين الزرعة)
في القرن الثالث عشر اشتهر من الـ (الزرعة) عدة أئمة في المقام الحنفي بالمسجد الحرام بمكة وكان منهم الشيخ تقي الدين الزرعة وهو من أئمة المسجد ويمتهن (التطويف) وكان يسكن القشاشية كما تقول كتب التاريخ واشتهر أولاده بعده ببيت (تقي) وهم مطوفون إلى اليوم.
(المطوفون آل العجيمي)
أول من عرف منهم هو الشيخ حسن المتوفى في الطائف عام 1113 وكانت شهرته بين الآفاق أكبر من شهرته في مكة وقد ترجم لنفسه في رسالة أسماها (أسبال الستر) ذكر فيها بطون من أجداده كانوا مكيين. ومن أشهرهم الشيخ عبد الحفيظ العجيمي وكان مفتي مكة. وكانت منهم (أم الحسين) وهي معروفة بين الفقهاء وغيرها ونسلهم اليوم (مطوفون) ضمن فئات الأتراك والدول العربية.
(مطوفون من نسل علماء مكة)
في كتب التاريخ وردت أسماء كثير من العلماء الذين اشتهروا في مكة ومن أسمائهم وألقابهم نجد أسماء وألقاباً لبعض المطوفين تتردد في الوقت الحاضر وعلى سبيل المثال: الشيخ تاج الدين الدهان، وعثمان الدهان وبدر الدين العادل، ويحيى المسكي، وداود الأنطاكي الحكيم، ومحمد المشلي، ومحمد عاشور، ومحمد سنبل، وسالم ابن الشيخ عبد القادر المفتي، ومحمد سعيد سنبل.
وذكرت كتب التاريخ أن هذه الأسماء لأعيان من العلماء من أهالي مكة الذين استوطنوا مكة ولم يكونوا من المجاورين.
(المطوفون في رعاية عبد العزيز آل سعود)
كان من الشرف الذي توَّج رأس المطوفين، عناية المغفور له الملك (عبد العزيز آل سعود) طيب الله ثراه بهم وقد سار بعده أولاده على منواله.
فكان أول مرسوم ملكي (أصدره عبد العزيز) بعد دخوله مكة عام 343هـ منشوراً لمن في مكة وضواحيها من سكان الحجاز الحاضر منهم والبادي وقد نصت المادة الرابعة منه على ما يلي:
(كل من كان من العلماء في هذه الديار أو موظفي الحرم الشريف أو (المطوفين) ذا راتب معيَّن فهو له على ما كان عليه من قبل إن لم نزده فلا ننقصه شيئاً إلا رجلاً أقام الناس عليه الحجة أنه لا يصلح لما هو قائم عليه فذلك ممنوع مما كان له من قبل. وكل من كان له حق ثابت في بيت مال المسلمين أعطيناه حقه ولم ننقصه شيئاً).
كانت هذه نبذة عن تاريخ الطوافة وسوف نواصل فى القادم عن الطوافة تاريخها ـ حاضرها ـ مستقبلها .
المصدر : اثنينية عبد المقصود خوجه
http://www.alithnainya.com/tocs/default.asp?toc_id=14218&toc_brother=-1