أردتُ أن أتحدّث عن صراع ، عن معاركٍ واشتِباكاتٍ مُعنّفة ؛ ولكن هذهِ المُصطلحات أفتكت خلايا عقلي وأقامت ثوراتٌ وضجيجٌ مستمر بداخلي .
إذًا سأستبدِلهُ بحديثٍ أقلُّ حِدة ، حديثٌ يتسرّبُ من ثُقبِ عقلي أنا ، ولا أعلمُ أي ثُقبٍ بعدهُ سيسلُك ، حديثٌ أشبهُ بحديثٍ بين ثريٍ مُتبختر وفقيرٍ مُحتاج ، حديثٌ بينَ سجينٍ مظلوم وقاضي غير مُنصِف ، حديثٌ كمِثلِ ذاكَ الحديث الذي يجري بينَ الحُرِّ والعبد ، حديثُ الخيال مع الحقيقة ، حديثٌ بين إحكامِ العقلِ وانسيابِ الروح ، بين الفكرِ والعاطِفة ،
العاطفة التي أصبحت قتيلٌ بكفنٍ أسود .
العاطِفة التي احترقت وتطايَرَ رمادها بينَ إعصارِ المشاعر .
بينَ عقليـنِ أجوبُ أنا ، عقلٌ يُحاربُ الظروف ويُصارِعُ الحياة ، ينغمِرُ في عُمقِ المُحيط تارة ، وتارة أُخرى يطفو مُتمسِكًا بطوقِ النجاة .
وعقلي الآخر ، ذلك المُنهك المُثقل المُتعب القانِطُ من الحياة الذي يزورني في كلِّ ليلٍ مُؤرق ، أركنهُ في الصباح على وسادةِ الخيبات وأُودِّعه ..
لا أعيشُ بجسدٍ واحدٍ فقط ، لديّ جسدينِ أيضًا ، الجسدُ الأول يقِفُ أمام المرآة يُعيد ترتيب ذاته لايسمحُ بالعشوائية ، يتشافَى بإذنِ ربهِ من الأسقام ، وعلى الأرجح هو مديرٌ جيد لتلك العضلات الإرادية طالمَا دامت الإبتسامة تُزيّن محياه في كُلِّ مُحزنٍ ومُترح .
وعلى النقيض ومن المؤسِف أملكُ جسدًا مُشبّع بالأمراض يأنُّ ويأن ، مُستسلِمًا للأرقِ وأعراضِه ، يتقلّبُ في ساعاتِ الليل طريحُ الفِراش ، ينتظِرُ يدًا تُربّتُ على كتفه ، ينتظِر صدرًا يرتمي عليه ، يزدادُ في أنينه فلا مُعين ولا مُجير .
ومن المُثيرِ أيضًا يعيشُ بأحشائي قلبين ، قلبٌ تعايشَ مع الطبيعة الحجرية وتصلّب إلا انهُ يُحاول جاهِدًا أن ينقَبِض وينبسِط ، يُمارس طبيعته ، يبُثُ الدم للجسد ، يمدهُ بالحياة ، يستقبله مرة أخرى ليُكمل حلقتهُ الدموية ولايعبأ بشيء .
أُصبتَ بالوجعِ حينمَا هممتُ لأتحدث عن قلبي الآخر ، القابِعُ في أحد زوايا جسدي ينظِرُ للحياةِ من ثِقبِ إبرة ، يُصابُ بالغصّاتِ في كل مرةٍ يحاول فيها ضخّ قطرةٍ من الدم ، مُشبعّ بالوجعِ والإعتلال ، تتراكبُ نبضاته مع كل زفرةٍ تتخلّص من ضيقِ الهواء .
صنعتُ في نفسي من كلِّ شيءٍ اثنين ، عقلين و جسدين وقلبين .
ولكن أنا وفي نهاية أمري أقِفُ على رجلين تحمِلُ جميع هذهِ الثنائيات .
ترتجِفُ الرجل الأولى فتدعمها الأخرى ، تتوجع الثانية لأمرِ الأولى ؛ تُساندها فيتحققُ الإتزان .
" وخُلق الإنسان ضعيفا "
هكذا هو الإنسان وإن كانَ قويًّا ، يُحاوِل أن يخفي ضعفه ، يُواريه خلف الأقنعة ، يقتله ويتغلّب عليه .
رياضيّا ؛ لِتصل إلى حلِّ المعادلة أنت مُلزم بأن تضرب المقسوم وتُقسّم المضروب ، تنقل الأرقام إلى الطرفِ الأخر ، تغيّر الإشارات حسبمَا يقتضيه الحل .
هي الحياةُ أيضًا تحتاج إلى أن تضيف إلى شخصك شخصًا آخر ، تُغيّر وتُبدّل ، تجمعُ مايقويك وتطرحُ مايضعفك .
أنت لست قمرًا يتوسطُ طول السماءِ وعرضها ، ولكنك تشبهه ..
ضوءك لايعني ظلامك ، وظلامك لايعني ضوءك ، فالقمرُ يظهرُ مضيئًا ، يُخفي ظلامه ويحتلُ العرش بين النجوم .
حديثي هذا لاأعلم أيُّ ثقبٍ إليكم سلك .
- قد زاد صقيعُ البرد بين أضلع البعض ، وربما صهرَ جليدُ الماء وازداد الدفء لدى الآخر .
حديثٌ خُرافي اكترث به إن أردت .