ارتبط المفهوم التقليدي للذكاء بأنه القدرة على التفكير والاستنتاج المنطقي وتخزين المعلومات والتوصل إليها بسرعة وبديهة .
لكن في دراسة أجراها أحد العلماء في التسعينات على مجموعة من موظفي شركة بريطانية حصلوا على درجات عالية في الذكاء العقلي تبين أن 15% منهم فقط صنفوا على أنهم مميّزو الأداء، وتوصل الباحث إلى أن كلاً من المهارات العقلية ودرجات التحصيل في المواد الدراسية والثقافة العامة للفرد كلها غير قادرة على التمييز بين متوسطي ومرتفعي الأداء ولكن مهارات ذكاء من نوع آخر أظهرت قدرة تمييزية أعلى بين هاتين المجموعتين.
ما نقصده هنا هو ما يطلق عليه الذكاء العاطفي ويسمى أيضا بالوجداني والذي يرجع الفضل في انتشاره إلى العالم"دانيال جولمان" عام 1995 وكتابه الذي يحمل عنوان "الذكاء الوجداني لماذا هو مهم أكثر من الذكاء العقلي.
فما هو الذكاء العاطفي أو الوجداني ؟
يقصد جولمان بالذكاء الوجداني هو قدرة الفرد على إدراك انفعالاته بدقة والتعبير عنها وتنظيمها، والقدرة كذلك على فهم انفعالات الآخرين ومشاعرهم، وقد نشطت البحوث في هذا المفهوم من ذلك التاريخ إلى يومنا الحاضر* وتم اختباره وإعداد المقاييس لقياسه ودراسة علاقته بمفاهيم أخرى كالنجاح الوظيفي والتوافق الاجتماعي والزواجي والسعادة والصحة النفسية .. الخ
إذا كان الفرد يتمتع بالقدرة على إدارة انفعالاته والتعاطف مع الآخرين والقدرة على رؤية الأمور من منظورهم وبالمهارات الاجتماعية وبالقدرة على معرفة وقراءة مشاعر الآخرين ومعالجة انفعالاته جيداً داخل نفسه وفي علاقته مع الآخرين فهو ذكي وجدانياً !
*ولكن السؤال المهم هو هل الذكاء الوجداني موروث أم قدرة ومهارة يمكن تنميتهما؟!
في الوقع إن أهم ما يميز الذكاء العاطفي من وجهة نظر الباحثين أن الوراثة تلعب فيه دورا لكن بنسبة أقل بكثير من الذكاء التقليدي ، وهذا يعطي فرصة للمعلمين والوالدين والمربين إجمالا لتنميته ورفع سقفه لدى الأطفال والكبار على حد سواء .
*ويأتي ذلك عن طريق تعليمهم كيفية التعبير عن مشاعرهم واحتياجاتهم ورغباتهم بوضوح، وأيضا تركيز الانتباه على الآخرين وما يقولونه وحتى ما لا يقولونه ! وذلك للوصول إلى درجة وعي مناسبة لمشاعرهم وفهم احتياجاتهم، وإظهار حُسن الاستماع وتوجيه الأسئلة لهم للاستيضاح منهم عنما قالوه وطلب تفاصيل أكثر ناهيك عن التواصل البصري مع المتحدث والتعبير له عن المحبة والمودة. ولا ننسى التعاطف معه وإخباره بأنك تشعر بمشاعره وتستطيع أن تفهم لماذا يتصرف بهذه الطريقة أو شعر بهذا الشعور، وأيضا تعليمهم الانفتاح على الآخرين بغض النظر عن خلفياتهم وجنسهم ومظهرهم وثقافتهم ومستواهم المادي.
لذا فإن الالتفات للذكاء الوجداني وتفعيله سواء في التعليم أو في التربية أو في العمل أو في الأسرة مهم وضروري جدا وقد يحل لنا الحيرة التي تصيبنا من جراء رؤية أشخاص أذكياء في التحصيل الأكاديمي لكنهم متعثرون في علاقاتهم الاجتماعية وتجدهم يعيشون في قلق دائم والكثير ممن يحيطون بهم يحاولون تجنب التعامل معهم والاحتكاك بهم .
*عندها نقول ابحث عن الذكاء العاطفي *فليس الذكاء العقلي وحده كافيا ياسادة.