لا مفرّ لنا كأرواح بشرية من الندم و محاسبة النفس والتوقف للحظة ،
بعد تخطي أشواط طويلة و سباقات عديدة بكل جهاد و حرص ودون الإنتباه لأي شيء آخرْ تساقط و أنفلت و فات أياً كانت أهميته ،
بعد تجاوز مسيرة " عام " بكل مافيه ،
لا بد من روح لها انتماءها وفطرتها .
التوقف لوهلة تفكراً و ندماً و امتعاضاً ،
ولأحيان كثيرة يجابه النفس تأنيب الضمير أينما ولّت وجهتها و وجهت خطوتها ،
حتى وإن قاطعتنا الحياة عبثاً ،
وَ فرضت علينا دائماً المـضيّ نحو الجديد من الأيام و الأشهر و الأعوام ،
تظل دغدغة الضمير قائمة في الداخل منا ،
حتى نقبض على الخطأ و نعترف به و نسعى لتغييره وَ نُدرك النقص
ونجاهد لوضع الخطة اللازمة لتعويضه ،
خاصةً إن كُنا أهلَ قلبٍ صاحٍ وَ نفس مجبولة على التغييرْ للأفضل ،
إن الكينونة التي نحن عليها بمثابة نبتة
تحتاج لضوء وأكسجين و أرض صالحة وحياة وسقاية ،
واذا فقد الرعاية أحد هذه العناصر،
لا تعد صالحة لا للحياة ولا للنمو ولا للبقاء ،
و نحن كـ مالكي لهذه النبتة و كـ مسؤولين عن إحياءها سلفاً أو عطبها نغلو دائماً في الاهتمام بشيءٍ واحد ،
نسلط جُلّ الجهود في جهة واحدة ،
ونتسابق لأجل إظهار جهة واحدة للنور ، بصرف النظر عن البقية ،
فيحدث الخلل ويتنامى ويتضح بعد حين بشكل لا يمكن تجاوزه ،
إن الكيان البشري ضوءه العلم و القراءة و الوعي ، أكسجينه العبادة و الدين ، سقايته العاطفة بينه وبين الآخرين و التي تنبثق أولاً من الداخل فيه ، و أرضه الصالحة العقل السويّ و الإرادة الحية وَ الجُهد المتواصل ، بينما حياته كلها تكمن في النية الطيبة التي إن صلُحت صَلُح الأمر كله و إن فسدت فسد الأمر كله ،
في نهاية كل لحظة ، و بعد كل سباق ،
وبين استراحة كل فترتين نقيضتين يحدث هذا التوقف للنفس الطيبة ، والضمير الحيّ ،
ليشعر صاحبه بعد ذلك بالندم وَ تعاتبه دواخله وَ تؤنبه ذاته
حدّ أن يعقد العزم الجديد وَ يُقيم عهوداً مع الله أولاً ،
ثم مع ذاته بأن يقوّم اعوجاج نفسه
وَ يُصلح الفاسد فيه وَ يحرث أراضيه الخاوية من جديد ،
ليس في الأمر شيئاً من تشاؤم أو ترهيب ، إنما ركلة إصلاح يحتاجها الكيان البشريّ ليوازن بين عناصره ،
حركة نشطِة يُحيي بها ما أهمله من أجزاءه ،
و مشروع بناء ضخم يُؤمّن له كيان متزن صالح
و حيّ كما يليق بالحياة ..
التوقف لأجل سباقٍ آخرْ ماهو إلا استراحة قصيرة تتأمل فيها النفس أعطابها ، و شحن للهمة لتخطو لسباقٍ آخر بكل إرادة من جديد ،
فكل وقفة و أنتم ذوي إرادة و نوايا طيبة ،
كل عام و أعطابكم أقل و ضمائركم حية ،
فلنأمل و نـجاهد أن يكون التوازن في كينونتنا هو حليفنا
و لندعو الله أن يجعل لنا في سباقنا الجديد هذا كل التوفيق وَ الصلاحْ ..
وعلى الله مجرانا و قصد السبيل .