كانت حياتها شبه مستقرة لا يتكللها سوى الكتب الأدبية ومعزوفات الغناء بصوت كاظم قيصرُ مرآتها.
تفيق على كوب قهوتها ورائحتها ..وحوض حمامها برائحة الفانيليا
تضم منشفتها البيضاء المطرزة بخيوط وردية وجوانبها لونٌ قريب لذاتها رماديٌ مسود..
بينما هناك شيء ينتظرها بفارغٌ الصبر *فستانها القصير ومرآتها التي لطالما بهرت بشعرها المجعدِ المبللْ وعنقها الطويل وأصابعها وقصر قامتها
تضع حمرة كبدية تسرح شعرها على جهتها اليسار الأحب إليها ومن ثم تنطلق ذات الملامح الغجرية والعينانُ البلقيسية الى بستانِ أبيها تقطف معه اللوز والرمانِ وحباتُ البنْ تسقي شجر الريحان
وتأكل حبة الجوافة التي لطالما تتلذذ بأكلها كما لو انها سلطانٌ على كرسيٌ خشبي أمامه مائدة فيها مالذ وطاب
تلك هي حياة الفقيرة الريفية تحمل على ساعديها الحطب وأباها يتمايل جسده من الإنائين المتلئان بالفواكة والخضرة وتلك القربة على خصره تقطر على قدماه الطاهرة المتسخة بتراب بستانه..
يعودا بروحٍ سعيدة ..قهقهاتهم تملئ أزقة القرية يبتسمون لهذا وذاك
إلى أن وصلآ لباب منزلهما القديم المبني من الرمل والحجر ملتفتً الوالد لإبنته مارأيك ياغجريتي أن ننتقل للمدينة فهناك ستكمن لك راحة أبديه وستحققين حلمك ..
ولكن أبي البستان وما يحويه ماذا عنه ..حلمي أن أراك مستبشرا مرتاحا
إحتسىٓ العشاء على قطعة جلدُ النمر وتحت شجرة أرجوحتها أمام الحطب المحترق بنارٌ كانت تخشاها الإبنة ويحبها الأب لأنها تجعل من طفلته دافئة الجسد جميلة العينان حينما ينعكس النار في بؤبئتها البريئة
كان رقادها على كتف أبيها مريح ولكنها تنتظر الصباح كل ليل لتأكل فاكهتها وتركض بين تربة حبيبها وظل معشوقها البستان
أفاقت من سباتها اللذيذ ولكن ليس ككل مرة أين أبي ؟ أين صندوق ملابسنا الخشبي ؟أين مرآتي ؟؟ أين مشطُ شعري أين كل شيء؟ لمٓ ليس كل شيء موجود بمكانه !!
لم أبي؟ لا اريد المدينة فيها من المتسكعين القذرين والفتيات الشمطاوات
والعجائز المزعجات وأيضا رائحتها نتنه من السجائر وقاذورات الحي
هناك ضوضاءٌ أبي ..إستمرت طول طريقهما بإعادة تذمرها دون إستجابة من والدها ..ولكن من أين لنا إجرة السكن ؟أخبرني لمَ لا تجيب ألم أقل لك ذات مرة لا تمد يداك لذلك الرجل الأعرج أشعث الشعر مصفر الضرسان الأمامية ..كفى إبنتي لا تتذمري فأنا إبتعتُ بستاننا لرجلٌ غني ووهبني الكثير من المال حتى أنظري ..مد يداها لجيبه المرقع بخيطٌ أبيض في ليلة حاكتهُ له إبنته تحت سراج غرفتها.رأت ذاك الظرف الأبيض أسودٌ كسواد ليلة أخبرها بها بأنهم سينتقلون للمدينة..
إكتفت بقول صوتها المرتجف لايحق لك ذلك أبدا .
قطنوا في منزل تراه الإبنة أشبه بحاويةٌ مقسمة لمطبخ وصالة طعام وبالجهة الأخرى حمام صغير جدا
وغرفتان جعلت منها تبكي خوفا من أن تبيت وحدها
بدأ التغير تدريجيا بحياتها الى أن أهداها والدها بعيدُ ميلادها هاتفٌ نقال لم تكن تجيد إستخدامه حتى أنه يسقط منها دون الإكتراث ان كان أصابه شيء او لا ..
لم تبيت ككل ليلة في قريتها فقد كانت ليلة أشبه بمحراب الموت كيف لي أن أعتاد سامحك الرب أبتي..
بالمدينة كان صباحها وليلها سوية فلم يعد هناك عشيق وحبيب(البستان)
*مد يداه لها تنظر إليه ماهذا ؟أنا إبنٌ جارتكم ..حقا؟!ولكن من سألك
رد إليها مستنكرا أنتي من سألتي ..كانت متقلبة الوجه حادة العينان ولكن أنا سألتك ما بيدك فليس لي شأنٌ من أنت..
أخبرتني أمي أن هناك جارة كان لهم إبنة تحتفل بميلادها ولم يكن لديها أصدقاء ليهدوها شيئا فقررت أن أسعدك وأهديك هذا المنديل لتضعيه على رأسك فأهل المدينة يسخرون من الفتاة ذات الشعر المتجعد ...
أحقا؟اذا ما رأيك أن تضعه في فمك لتغلقه فرائحته تخنقني .
تدحرجت خطاها الى الخلف مصطحبة معها ضحكة ساخرة وتلويحة يد لإبن المدينة وركضة طفولية ..مناديا بحنجرة شاحبة يا ذات الشعر المجعد مهلا فأهل المدينة أيضا لا يحبون الفتاة الراكضة رافعة القدم الى نص الفخذ ..تمهلت قليلا تبا تبا لما يقوله هذا الغبي .
إستمرت مشاحناتهما والشكوى بين الأهالي الى أن أصبحوا أصدقاء حميمين
صديقي أتعلم كم أنا مشتاقة لحبيبي ..نظر اليها بنظرة حارقة متحطمة ؟مدعيا النكران هه وهل لصاحبة الشعر المتجعد حبيب ؟ تجاهلت ما قال ..نعم لدي حبيب كنت أرقص عليه وأضحك بين يداه وأحتضنه بقوة وأقبله الى أن يأتي أبي ..ولمٓ تفعلين كل هذا بأبيك ..وماذا فعلت أيها الأحمق ؟إنك تواعدين رجل بصرخة منها كفى يا متدنس النوايا أنا أقصد بستانُ والدي ..ضحك عليها الى أن يتكور بين عشب حديقتهم مقهقها متطمئنا أن حبيبها بستان .
هل لديكِ هاتف ..نعم لدي حسنا سأدون لكِ رقمي
ألو..
-كيف حالك
بخير فأنا لم يسبق لي أن ضحكت هكذا
-لا تسخر مني سأجد حبيبٌ غير بستان أبي
هه لسوء حظه أنه سيقابل فتاة ريفية
-وماذا عن إبن مدينة رائحة فمه نتنة
أقفل الهاتف ورمى حجارة على نافذتها تركض خائفة ما الذي يجري
تنظر اليه ماذا تريد ..تعالي فأنا أريد أن أريك شيء
لا ..هيا ..قلت لك لا ..ياذات الشعر المجعد العنيدة ذات النعل السيء المتسخ ....تقاطعه حسنا كفاك سخرية تركض لأول أصدقائها أحب أشيائها لقد أتيتك ماذا تريد
#يبتسم لها فقط أريدك .
تحتضن منديله الذي أهداها
ولكن أينك الآن لم تعد تريدني ؟!ألم تشتاق لمدينتك التي أحببتها بك
أرجوحة حديقة ذاك الشارع إفتقدت ثقل جسدك
والعشب الذي تقهقه عليه سخرية مني إفتقدك
وشعري المجعد إفتقد قبلك ونعلي الذي كان متسخا بتراب بستاننا الذي مسحته يداك لتأنقني لتتباهى بي أمام رفقتك الأثرياء
حتى إفتقدت حصاك الذي كنت أجمعه في كل مرة تقرع فيها شباك نافذتي وأسهر عليها لأعد بها كلمة أحبك الى أن أنام
والثانية عشر إفتقدتنا متيقنة بذلك .
رسالة على هاتفها أضائت ظلمة حول عيناها أينك شاهيناز.
تقفل هاتفها مردده بداخلها أتمنى أيها المخطئ أن تجد شاهينازك فالبعد قاتل..
*رسالة خلف رسالة خلف رسالة ..تتضمنها إفتقادٌ لغائبيهما
-كان يسألها ..كيف رحل عنك
-كان يدمي قلبها لأنها لا تعلم لمٓ رحل.
هوٓ نفسه إبنُ المدينة ولكن لم يجد عذرا يرضي به الفتاة الغجرية
رحل ليكمل حلم أبيه أن يكون ذا منصب أن يتزوج من إبنة رفيقه رجل الأعمال
كان لديك حق أيتها الشعر المجعد أن تكرهي المدينة فهي تفرض عليك أشياء لا بأس أن قتلتك
إبتعدتُ لأني لا أريد أن تعلمي بأن لدي إبنة أسميتها ياسمين لإسمك
أُرغم والدتها أن تسرح شعرها كشعرك المموج وتسخر مني كيف تفعل هذا بإبنتك وتجعلها كطفلة ريفية ليس لها أم •كمثلك ياسمينة
قررت أن أعود وأقترب منك لأحبك بقلبين .(.قلب مخطئ وقلب راحل )
تمزق آخر كلمة كتبها لها •إنتظريني
إنقطع آخر حرفين(ني)
وبقي إنتظري *كأنها مستوحاة من إياكِ أن تنسيني.
بينما هوٓ بالثانية عشر يتحشرج بكاءً (أياسمينة قلبي يا غجريتي يا يامتفردة بشعرها المتجعد يا سالبتني يا ملكة الريفِ ياطفلة أبيها ياعاشقة بستانه ..أشتاقك.)
#إنتهت
*صباح المالكي.
سلمت أناملك يا أجمل الصباحات.
Samar
تعليقك فى حد ذاته طرح يلقى .
Samar
حقا كتبت عن التغيير الذي يحدث فجوات بالنفس*
ولكن ليس بطريقة مباشرة فقد إستخدمت الريف والمدينة كأقرب مث