اجتمع علماء ومهندسون وعلماء اجتماع وفلاسفة وكتاب مهتمون بشؤون الفضاء في مقر "جمعية الكواكب البريطانية" في لندن، يدرسون بجدية إمكان الإطاحة بأنظمة مستبدة في مستعمرات الفضاء، المتوقع للبشر أن يعيشوا فيها مستقبلًا، وذلك في مؤتمر سنوي ثالث لحرية الفضاء.
وقال تشارلو كوكيل، المشرف على تنظيم المؤتمر وأستاذ البيولوجيا الفلكية في جامعة أدنبرة: "نبحث في هذا العام ما يمكن أن يحدث إذا لم تعجبك حكومة وتريد الإطاحة بها في الفضاء"، على أن تنشر خلاصات ونتائج الاجتماعات كأبحاث ومقالات لتكون كتيبات ارشادية للمسافرين إلى المستعمرات الفضائية المستقبلية.
وأضاف كوكيل: "نأمل في أن تساهم نقاشاتنا في وضع اللبنة الأولى للحريات خارج نطاق الأرض، ولدينا فرصة للتفكير في المشاكل التي يمكن أن تقع في الفضاء الخارجي قبل أن نذهب إلى هناك".
ويرسم المجتمعون في لندن سيناريوهات يمكن تخيلها بشكل أسهل إذا فكرت بالشكل الذي يمكن أن تكون عليه المستعمرة الفضائية في المستقبل. فربما تكون مستوطنة تغطيها قبة يعيش تحتها عدة مئات من البشر تحت سماء فضائية رقيقة يكسوها الغبار.
وسيكون ذلك مركزًا بشريًا معزولًا وهشًا، على بعد 225 مليون كيلومتر من الأرض، يحكمه ديكتاتور يتحكم مساعدوه في مولدات الأكسجين، في سيناريو تخييلي.
وقال كوكيل: "لو لجأ أحدهم إلى الثورة للتخلص من حكومته التي لا يحبها، وقام بتحطيم النوافذ، يفقد المكان ضغط الهواء ويتلاشى الأوكسجين، ويموت الجميع، فللعنف في الفضاء نتائج كارثية، فكيف يمكن ممارسة معارضة في بيئة يؤدي فيها العنف والتمرد إلى الابادة؟".
الإجابة عن هذا السؤال تكمن في منع ظهور الحكام المستبدين من البداية، بوضع قواعد لوسائل المعارضة السلمية عبر أنظمة عمالية منظمة مشابهة لنقابات الأرض، أو مراقبة أداء القيادة من خلال الصحافة والإعلام، "وإذا لم تكن هناك صحافة حرة في الفضاء الخارجي، فستنشأ لديك مشاكل عويصة"، بحسب كوكيل.
والتركيب المادي للمستوطنة يمكن تصميمه لخفض الآثار الناجمة عن الصراع بتوزيع الماء والهواء وأنظمة الطاقة على عدة أماكن وعدم إبقائها في مكان واحد. ومن شأن ذلك أن يقلل من خطر تعرض هذه المقدرات للعطل أو الخلل، ولكن الأهم هو تجنب وقوعها تحت سيطرة شخص واحد. لكن مع وجود إعلام حر ونقابات منظمة، توجد مشكلة في الفضاء ليست قائمة على الأرض، خصوصا عندما يتعلق الأمر بوجود شركات، "فيمكن أن تكون الشركات الخاصة مستبدة وقاسية بنفس قدر الحكومات المستبدة. وإذا أعلنت الإضراب يمكن أن تقول لك الشركة: حسنًا، دعني أرشدك إلى طريق الخروج من نطاق الهواء المتوفر هنا، لتنطلق إلى فراغ الفضاء حيث لا يوجد هواء".
والخروج من المستوطنة الفضائية ليس خيارًا. فمستعمرة سطح المريخ تسودها الحرية المطلقة، بحيث يجلس فيها الجميع لا يفعلون شيئاً طوال اليوم لن تستمر طويلًا. وربما يتعين على سكان المستعمرات الفضائية الإتيان بطرق ووسائل غير عنيفة للتخلص من الحكم المستبد. يقول كوكيل: "نريد الوصول إلى توازن يقوم على وجود مجتمع تسوده أقصى قيم الحرية، وتتوفر فيه أقصى وسائل الاستمرار في ظل ظروف الفضاء القاتلة".
وهذه إحدى المرات القليلة التي يفكر فيها الأكاديميون في تحديات العيش في الفضاء بأسلوب واقعي، إلا أن الخيال العلمي تطرق إلى الأمر منذ سنين.
فالكاتب ستيفن باكستر، أحد أبرز كتاب الخيال العلمي، ألّف رواية "آرك" في العام 2010، صوّر سفينة نجوم في مهمة على مدى أجيال متعاقبة إلى عالم جديد ناء حيث تبرز بشكل دقيق مسائل الحكم والسلطة، ويقول: "لديك شبان مميزون يسافرون على متن هذه السفينة، ثم يكتشفون أنهم عالقون هناك، في البداية يسود انضباط عسكري، ثم يتطور الأمر إلى حكومة توافقية، ثم ينهار كل ذلك ويسيطر ديكتاتور على الوضع متحكمًا بإمدادات المياه".
ويقول كوكيل: "إيجاد مجتمع داخل صندوق شيء رائع، ودائمًا ما يفكر كتاب روايات الخيال العلمي في خطوة تسبق العلماء، إنها أرضية رائعة لتجريب واختبار الأفكار".
ومن أول الكتب التي تحدثت عن الوصول إلى القمر كتاب "ميلاد جمهورية جديدة"، للمؤلف جاك وليامسون، أحد كتاب الخيال العلمي خلال ثلاثينيات القرن الماضي، ويناقش توترًا يشهده المجتمع بين القمر والأرض.
وتتكلم رواية "القمر عشيقة قاسية" لروبرت هينلينز الصادرة في العام 1966، عن فكرة سجن على سطح القمر، ومسؤول مستبد يتحكم بإمدادات الهواء.