أجرت صحيفة الرأي الأردنية لقاء مع معالي محمد داوودية الوزير والسفير الأسبق وكتبت عن تاريخه المليء بالمثابرة والجد والاجتهاد منذ أن عارك الكسارات والباطون والطوب مثلما عارك الصحافة الى أن انتصر وأصبح نائباً ووزيراً للشباب ثم سفيراً للأردن نحو عقد ونصف من الزمن.
وتالياً نص اللقاء الذي أجرته الصحيفة مع معالي محمد داودية :
صحا على نعيم لم يطل لتسقط «ملعقة الذهب» مع رحيل والده، ويخرج الى الضنك والفاقة في طفولة مبكرة، عارك الكسارات والباطون والطوب مثلما عارك الصحافة لاحقاً فخرج منتصراً، ليصبح نائباً ووزيراً للشباب يقتحم مقاعد الجمهور مشجعاً ، ثم غادر سفيراً نحو عقد ونصف. نقدمه اليوم للقراء، وهو يفرض ايقاعه، فقد مكنته قدرته الصحفية والادبية التي لا يشق له فيها غبار، ما اضطرنا الى شطب الأسئلة ونترك محمد داوودية يجيب على سجيته. المرحلة الأولى من عمري كانت نعيما، فقد كان والدي يرحمه الله رئيسا للدائرة الزراعية في شركة نفط العراق في الاجفور- الرويشد الآن- حيث ولدت. وكانت أسرتي كما تخبر والدتي يرحمها الله تترغّد في خيرات عميمة إلى ان توفي والدي وأنا في سن السادسة فخرجنا من ذلك النعيم إلى الضنك والفاقة.,وقد عوّضني الله عن فقدان الوالد بتوفيقه ورعايته وأيضا عوضني بوالد لا يدانى في حنانه وعطفه وكرمه عمي جعفر ابن عم والدي الذي ربانا أنا وشقيقتي الحبيبة الطيبة خديجة وأسبغ علينا ما لا يمكن أن يزداد عليه كما يسّر الله لي أخوالي الذين غمروني بحنانهم ورعايتهم فكنت عندهم أميرا صغيرا لا يزعلني احد، كان جدي مزعل مشري الخوالدة يصطحبني إلى كل المناسبات التي يحضرها، واذكر انه كرّس عندي قاعدة طبقتها بأمانة : أن لا اعتدي ولا اظلم ولا أقسو ولا آكل حق احد، لكن أن يقع من يصطدم بي. ومن يتعرض او يسيء لي فيجب أن يدفع ثمن اساءته وحماقته. وخلاصة تلك القاعدة : «لا تنم ظالما ولا تنم مظلوما».
لم تكن يفاعتي كلها جفاف ويباس وقسوة فقد كنت أأوب إلى واحتين استظل بهما من صهد العيش: الكتب والحب. في الكتب كنت أجد عالما موازيا وعالما افتراضيا جميلا أتقمصه واهرب إليه وأما العالم الحقيقي الأكثر جمالا ورطوبة وفرحا فكان عالم الحب الذي اقتضى أن اكتب رسائل إلى صويحباتي فكانت تخلب ألبابهن وتمدني بطاقة ثقة هائلة.
كان الحذر هو ابرز ما تعلمته من طفولتي، فقد هرب اخي الحبيب الأصغر احمد بعيدا فطلبوا مني ان امسك به واحضره طاردته وادركته ولما هممت ان اسلمه الى عمي ورجال اخرين امسكوا بنا معا وسيطروا علينا وسط دهشتي وإحساسي بالورطة و»طهّرونا» معا، فكان الدرس الابلغ: «لا تسلّم أخاك». كنت في احيان كثيرة وفي مراحل متعددة معلم نفسي، لقد اشتققت واستنبطت لنفسي قواعد صارمة جدا التزمت بها ولم احد عنها.,وقد خضت غمار العمل وجحيمه وأنا ما أزال في الثانية عشرة من العمر في المفرق الحبيبة. عملت أثناء العطل الصيفية في الكسارات وفي ورش فتح الطرق وفي بيع الصحف وفي المطاعم وفي دك الطوب وفي صب الباطون لسقوف المنازل ولما كانت المرحومة والدتي توقظني على الرابعة فجرا للذهاب إلى الورشة التي تبعد نحو 7 كيلومترات كنت أتمنى لشدة التعب ولذة النوم لو أنني ميت لكنني سرعان ما انهض وامضي إلى العمل الذي كنت أوفر منه مبلغا لشراء بذلة كاكي وحذاء رياضة للمدرسة ولشراء الروايات.,درست الابتدائية والإعدادية في المدرسة الهاشمية التابعة للثقافة العسكرية في المفرق وكنت لاعب كرة قدم في فريق المدرسة وحصلنا على الكأس والميداليات الذهبية لبطولة المدارس 1962 بهدف جميل سجّله اللاعب علي أبو فلاحة وهو ما يزال صديقي إلى اليوم. كنت متفوقا جدا في المرحلة الإعدادية وقدمت الامتحانات العامة للصفين السادس والثالث الإعدادي كما أصبح عليه الحال اليوم.
واصلت الكفاح بضراوة في الميدان الصحفي. بدأت في صحيفة الاخبار التي كان صاحبها فؤاد النمري ومديرها العام المرحوم عبد الرحيم عمر الذي قال لي أنت تتمتع بضمير مهني لم اعرفه في احد غيرك، ورئيس تحريرها معالي راكان المجالي، كنت اعمل 18 ساعة في اليوم إلى أن أتقنت كل مراحل إنتاج الصحيفة، ازدادت قدرتي على الدقة والتنظيم والإتقان، وأنا بشهادة من يعرفني عن قرب، سريع منظم جدا ودقيق جدا ومتقن بلا تلكؤ أو تردد. كنت اكتب مقالة يومية بعنوان «عرض حال» لم تكن للبيع أو للإيجار ولذلك تم وقفي عن الكتابة أيام وزير الإعلام ولما
وتالياً نص اللقاء الذي أجرته الصحيفة مع معالي محمد داودية :
صحا على نعيم لم يطل لتسقط «ملعقة الذهب» مع رحيل والده، ويخرج الى الضنك والفاقة في طفولة مبكرة، عارك الكسارات والباطون والطوب مثلما عارك الصحافة لاحقاً فخرج منتصراً، ليصبح نائباً ووزيراً للشباب يقتحم مقاعد الجمهور مشجعاً ، ثم غادر سفيراً نحو عقد ونصف. نقدمه اليوم للقراء، وهو يفرض ايقاعه، فقد مكنته قدرته الصحفية والادبية التي لا يشق له فيها غبار، ما اضطرنا الى شطب الأسئلة ونترك محمد داوودية يجيب على سجيته. المرحلة الأولى من عمري كانت نعيما، فقد كان والدي يرحمه الله رئيسا للدائرة الزراعية في شركة نفط العراق في الاجفور- الرويشد الآن- حيث ولدت. وكانت أسرتي كما تخبر والدتي يرحمها الله تترغّد في خيرات عميمة إلى ان توفي والدي وأنا في سن السادسة فخرجنا من ذلك النعيم إلى الضنك والفاقة.,وقد عوّضني الله عن فقدان الوالد بتوفيقه ورعايته وأيضا عوضني بوالد لا يدانى في حنانه وعطفه وكرمه عمي جعفر ابن عم والدي الذي ربانا أنا وشقيقتي الحبيبة الطيبة خديجة وأسبغ علينا ما لا يمكن أن يزداد عليه كما يسّر الله لي أخوالي الذين غمروني بحنانهم ورعايتهم فكنت عندهم أميرا صغيرا لا يزعلني احد، كان جدي مزعل مشري الخوالدة يصطحبني إلى كل المناسبات التي يحضرها، واذكر انه كرّس عندي قاعدة طبقتها بأمانة : أن لا اعتدي ولا اظلم ولا أقسو ولا آكل حق احد، لكن أن يقع من يصطدم بي. ومن يتعرض او يسيء لي فيجب أن يدفع ثمن اساءته وحماقته. وخلاصة تلك القاعدة : «لا تنم ظالما ولا تنم مظلوما».
لم تكن يفاعتي كلها جفاف ويباس وقسوة فقد كنت أأوب إلى واحتين استظل بهما من صهد العيش: الكتب والحب. في الكتب كنت أجد عالما موازيا وعالما افتراضيا جميلا أتقمصه واهرب إليه وأما العالم الحقيقي الأكثر جمالا ورطوبة وفرحا فكان عالم الحب الذي اقتضى أن اكتب رسائل إلى صويحباتي فكانت تخلب ألبابهن وتمدني بطاقة ثقة هائلة.
كان الحذر هو ابرز ما تعلمته من طفولتي، فقد هرب اخي الحبيب الأصغر احمد بعيدا فطلبوا مني ان امسك به واحضره طاردته وادركته ولما هممت ان اسلمه الى عمي ورجال اخرين امسكوا بنا معا وسيطروا علينا وسط دهشتي وإحساسي بالورطة و»طهّرونا» معا، فكان الدرس الابلغ: «لا تسلّم أخاك». كنت في احيان كثيرة وفي مراحل متعددة معلم نفسي، لقد اشتققت واستنبطت لنفسي قواعد صارمة جدا التزمت بها ولم احد عنها.,وقد خضت غمار العمل وجحيمه وأنا ما أزال في الثانية عشرة من العمر في المفرق الحبيبة. عملت أثناء العطل الصيفية في الكسارات وفي ورش فتح الطرق وفي بيع الصحف وفي المطاعم وفي دك الطوب وفي صب الباطون لسقوف المنازل ولما كانت المرحومة والدتي توقظني على الرابعة فجرا للذهاب إلى الورشة التي تبعد نحو 7 كيلومترات كنت أتمنى لشدة التعب ولذة النوم لو أنني ميت لكنني سرعان ما انهض وامضي إلى العمل الذي كنت أوفر منه مبلغا لشراء بذلة كاكي وحذاء رياضة للمدرسة ولشراء الروايات.,درست الابتدائية والإعدادية في المدرسة الهاشمية التابعة للثقافة العسكرية في المفرق وكنت لاعب كرة قدم في فريق المدرسة وحصلنا على الكأس والميداليات الذهبية لبطولة المدارس 1962 بهدف جميل سجّله اللاعب علي أبو فلاحة وهو ما يزال صديقي إلى اليوم. كنت متفوقا جدا في المرحلة الإعدادية وقدمت الامتحانات العامة للصفين السادس والثالث الإعدادي كما أصبح عليه الحال اليوم.
واصلت الكفاح بضراوة في الميدان الصحفي. بدأت في صحيفة الاخبار التي كان صاحبها فؤاد النمري ومديرها العام المرحوم عبد الرحيم عمر الذي قال لي أنت تتمتع بضمير مهني لم اعرفه في احد غيرك، ورئيس تحريرها معالي راكان المجالي، كنت اعمل 18 ساعة في اليوم إلى أن أتقنت كل مراحل إنتاج الصحيفة، ازدادت قدرتي على الدقة والتنظيم والإتقان، وأنا بشهادة من يعرفني عن قرب، سريع منظم جدا ودقيق جدا ومتقن بلا تلكؤ أو تردد. كنت اكتب مقالة يومية بعنوان «عرض حال» لم تكن للبيع أو للإيجار ولذلك تم وقفي عن الكتابة أيام وزير الإعلام ولما