أميمة عبد العزيز زاهد
كيف حصلت على هذه المعلومة؟ هم قالوا لي! طيب شفت أو جلست أو سمعت المعلومة بنفسك، وعلى أي أساس تنشرها؟ ما أدري. سمعتها من ناس! مع الأسف واقع نعيشه. وما أكثر ما نسمع مثل هذه الجملة وشبيهاتها، فلقد اعتاد أغلبنا على استقبال الشائعات دون التأكد من صحتها، وهناك الكثير ممن يصدق ما تحمله تلك الرسائل من معلومات غير صحيحة وخطيرة، والمخيف في الأمر أن مروجيها مجهولون هدفهم نشر الأكاذيب، ترى ما مصلحتهم من ترويجها؟ ولماذا يستلذ البعض في إطلاقها؟ هل لشعوره بالنقص؟ أم أنه يشعر بالراحة عندما يتسبب في إيذاء مشاعر الآخرين؟ أم أنه الحقد والحسد أو الجهل وضيق الأفق بجانب البطالة وأوقات الفراغ؟ بالتأكيد إنها فئة مريضة لا تمتلك الوازع الديني، إضافة إلى قلة الوعي الثقافي والاجتماعي، أغراضها متعددة، وهدفها واحد وهو تشويه الحقائق، يحاولون التنفيس عن إحباطاتهم باتهام الغير، ولو وقفنا أمام بديع صنع الخالق في خلق الإنسان لوجدنا أن أصغر عضو هو اللسان، ولتعجبنا ونحن نراه يخرج أفضل وأحلى الكلمات، وفي نفس الوقت أشنعها وأقبحها، فينطلق يفري في اللحوم دون رادع أو خوف، وقد سمى الله سبحانه صاحب الشائعة بالفاسق؛ لأنه مخالف لله ورسوله، ويؤدي بعمله الخبيث إلى الإيقاع بالفتنة ونشر البلبلة بين الناس، والله عز وجل يقول: "والفتنة أشدُ من القتل"، فديننا الحنيف قد واجه الشائعات بالعديد من التشريعات التي تعمل على عدم خلق بيئة ترتع فيها الأقاويل، وأمرنا بعدم الخوض في أحاديث لا تعنينا، وحرم علينا الفتنة والكذب والغيبة والنميمة، وحثنا على الصمت وحبب إلينا الستر وحسن الظن، إلا أن هناك عينة تكثر من القيل والقال، وتتحدث في أعراض الناس، وتثرثر في الأحداث الجارية، وتطرح التوقعات والتنبؤات المستقبلية من وحي خيالها، فينتشر الخبر ليصبح إشاعة لها ألف عقل يؤولها، وألف فم يلوكها، وألف أذن تسمعها. أما الحقيقة فليس لها لسان يرد عنها...إنها عينة مات الإحساس من قلبها، وكل همها هو النيل من الآخرين، وإيذاؤهم. ولا يحدث ذلك إلا عندما يموت الضمير، فالمسلم الحق من سلم الناس من يده ولسانه، فذكر عيوب الغير هتك لستر الله على عباده، وللعباد حقوق قد تنتهك بكلمة، وتناست تلك العينة أن من ستر مسلماً ستره الله، وأن من تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته وفضحه وهو في عقر داره… فمن أراد أن يشتري ستر الله ورحمته فليبتعد عن الكلام الذي لا يعنيه، وليقل خيراً أو ليصمت، وليبتعد عن تقليب الأمور وتزييف الحقائق وسوء الظن، وليمسك لسانه، فإلى متى يتجاهل الإنسان أو يتغافل عن خطورة هذا اللسان مهما كان القصد أو النية؟ فمن كثر كلامه كثر سقطه، ورب كلام جوابه السكوت، ورب سكوت خير من كلام! وقد قال ابن القيم رحمه الله: من العجب أن الناس يتحرزون من أكل الحرام، ولكنهم يأكلون لحوم البشر .