يبدو أن المستقبل سيكون للتقنية المتناهية الصغر "تقنية النانو" Nanotechnology التي يمكن أن تقود العالم إلى ثورة صناعية جديدة، ويصرح المتفائلون بأن هذه التقنية ستقدم منافع جمة للإنسانية، وسيكون التحدي في المستقبل هو كيف يمكن إنتاج كميات صناعية من هذه المواد والآلات في مثل هذه المقاييس المتناهية الصغر؟
وتعني كلمة النانو Nano باللغة اليونانية قزم Dwarf. وفي هذه التقنية تقاس أبعاد الجسيمات الذرية والجزيئية كجزء من بليون من المتر. وتركز الأبحاث أساساً في هذا المجال على الصناعات الجزيئية، وبالتالي فإن فن المعالجة البارعة للمواد على مقياس صغير جداً لصنع آلات وأجهزة بالغة الصغر له أهمية عظيمة. وفوائد هذه التقنية تشمل كثيراً من المجالات الحيوية والتطبيقية.. والمفاجأة الحقيقية أن الخبراء حينما يصنعون الأشياء في هذه المقاييس، فإنهم يحصلون على تأثيرات مدهشة، فمن الممكن إنتاج مخترعات كثيرة متناهية الصغر مثل رقاقات الكمبيوتر والمغنطيسات والمصابيح والأقمشة.. وعلى سبيل المثال، تقنية النانو تخلص الجسم من الخلايا
السرطانية وتصلح الأنسجة المتضررة، والتوصل إلى صناعة رقاقات كمبيوتر أحجامها صغيرة جداً لدرجة أن مئات منها يمكن أن نضعها على سطح حبيبة ملح طعام!
والخطوة التالية هي تصنيع مواد وآلات ذكية يمكنها أن «تفكر»، وتعمل لحل المشاكل في ظروف متغيرة، فهناك المواد والآلات بالغة الصغر التي يمكن بطريقة حميدة أن تطوف في مجرى الدم، ويمكن أن تكتشف فوراً العدوى، وتخلص الجسم من السموم والخلايا السرطانيـــة، وتصـــلح الأنسجــــة المتضـــررة. وعموماً هي تجعل الإنسان يتمتع بصحة وعافية بدون حدود.. وفي المجالات الأخرى صناعة ملابس تستطيع أن تتخلص بنفسها من الأوساخ، وأقمشة يمكن حالاً أن تدرك حدوث أي تمزق وحتى يمكن أن تصلحه..
ويعود تاريخ تقنية النانو عموماً إلى عام 1959 بحديث للعالم الفيزيائي فينمان Feynman ، ثم مقالة للعالم دريكسلر Drexler الذي أنشأ في ما بعد معهداً يختص بأبحاث علم النانو.. وتتوالى النظريات والأبحاث في هذا المجال الهام، ولكن حتى الآن هذه التقنية التي تشبه الخيال العلمي مازالت في مرحلة طفولتها..
واهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رعاه الله بالبحث العلمي جلي وواضح، فتبرعه من حسابه الخاص لتمويل استكمال التجهيزات الأساسية لمعامل متخصصة في مجال هذه التقنية في ثلاث جامعات: جامعة الملك عبد العزيز وجامعة الملك سعود وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، سيؤدي إلى تطوير هذه التقنيات وتطبيقاتها المختلفة في المملكة.. كما أننا لا نزال نعيش بهجة إعلانه إنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية على ساحل البحر الأحمر وتمويلها بعشرة مليارات ريال، وهو ما يبين حرصه على الدفع بالوطن قدماً نحو مجالات تقنية متقدمة. فالتقنية هي المركبة التي يجب أن تقود الوطن نحو أفق التقدم في دائرة عالم معاصر قوام اقتصاده التقنية الحديثة.. إن هذا الدعم السخي هو أحد التعبيرات العملية عن رعاية خادم الحرمين الشريفين الكريمة للتعليم بوجه عام والتعليم العالي بوجه خاص.