د. عبدالعزيز الأحمد
تنتشر المدارس بجميع مستوياتها في الدول المتقدمة وتتميز بمناهجها، وتمكن أساتذتها، وجودة خططها، ويكمل ذلك الجمال توافر المرشدين الذين يساندون الطلاب في مسيرتهم ويدعمونهم؛ ولقد اطلعت على أحداث رائعة لمرشدين سطروا أحسن القصص بحسن تصرفهم وذكاء أساليبهم؛ يحكي أحدهم أن مدرستهم متميزة وفريدة، ولكن فيها طالبين أزعجا المدرسة بالإهمال والشغب، زيادة على ضعف تحصيلهما، قال: فطلبتهما كلا على حدة، وجلست معهما ونقاشتهما، ووجدتهما أذكياء، ولديهما معرفة، وطلاقة وحسن تصرف!
قال: حاولت أبحث عن أسباب فشلهما الدراسي، وانحرافهما السلوكي، درست تاريخهما المدرسي، والعائلي، والاجتماعي، فلاحظت أنه لا ينقصهما شيء من المال والمعرفة والذكاء والبيئة الطيبة، لكن وجدت غيابا كاملا عن اكتشاف مواهبهما واستثمارها ثم تنميتها.
هنا يظهر تميز المرشد حيث استخدم مع المنهج العلاجي المنهج الإنشائي الذي يستثمر مواهب الانسان وإمكاناته؛ وأردف يقول: فمن مجمل الجلسات لاحظت أن لدى أحدهما مهارة الرسم، والآخر مهارة الخط، فوفرت لهما أدواتها وجعلتهما يأتيان إلي وادعمهما، حتى أعدا عدة لوحات، وضعناها باسمهما في الفصل والمدرسة.. شيئا فشيئا.. زاد إنتاجهما، وأنا والمدير نحفزهما ونشجعهما.. فملآ جدران المدرسة خطا ورسما وكافأناهما، وأصبحت علاقتي معهما رائعة كزملاء، وتحسن مستواهما الدراسي، وزانت سلوكياتهما، وتعجب المعلمون من انقلاب شخصيتيهما من السلبية إلى الإيجابية ومن الضعف الدراسي إلى التميز، ومن الانعزالية إلى المشاركة؛ فقلت لا تعجبوا منهما! بل العجب منا نحن المرشدين والمعلمين كيف غفلنا عن نجاحات لديهما مخبوءة، ومواهب منسية؛ فقط عرّفناهما بأنفسهما أكثر، وتلمسنا مواهبهما، وحفزناهما فانطلقا، إنهما بعدما وثقا بأنفسهما، وارتفعت قيمتهما الذاتية، ملآ المدرسة نشاطا ورسوما وخطوطا جميلة وغاب إزعاجهما وتلاشت مشكلاتهما.
فعلا المرشد الإيجابي، يجمع المعلومات الكاملة ويحللها ويصنفها ويدرس الشخصيات، وربما يطبق الاختبارات لذلك، ثم يجهز خطة عمل كاملة لهذه الشخصية أو تلك، منطلقا من أن كل إنسان كما لديه أخطاء فلديه كثير من الصواب، وكما لديه جوانب مظلمة فإنه يملك مناطق مشرقة؛ والمرشد المتميز هو الذي يملك القدرة على تقليل الأخطاء وتكثير الصواب، وقص الظلام ونشر الضياء، وهذا الذي حول الطالبين من فردين فاشلين إلى فردين إيجابيين منتجين ناجحين..!