د.م. عصام أمان الله بخاري
من قال إن هذا الوطن يعيش في سلام؟
والدموع لم تجف.. في آخر تلك الحرب
رموا بشعب رأى الأحلام.. تحت مظلة أميركا
القمر الفضي يبكي.. فهناك حزن لا ينسى
فلنزرع الحب.. لهذه الجزيرة
لتحكي الحكايات.. لمن لا تطيب جراحهم..
تلكم كلمات الشاعر الياباني (سيكي هيروشي) عن مشاعر اليابانيين بعد الهزيمة في الحرب..
مقالة اليوم تعرض عليكم كيف ينظر اليابانيون إلى أميركا؟
على مدى ما يقارب العشرين عاماً التي قضيتها في اليابان لم أسمع عبارات من نوع "سوف نثأر وننتقم لقتلانا الأبرياء في ناجازاكي وهيروشيما". بل على العكس، وجدت عدداً غير قليل من اليابانيين يدينون للأميركان بالفضل فقد منعت واشنطن مخططات موسكو لتقسيم اليابان.
من ناحية أخرى قد يعتبر البعض أن أميركا خلصت اليابانيين من الحكم العسكري، ودعمت مسيرة اليابان نحو تحقيق المعجزة الاقتصادية.
ومن منعطف سياسي نستطيع القول إن التحالف بين طوكيو وواشنطن هو إحدى ركائز السياسة الخارجية اليابانية، وكذا هي الحال من الناحية الاقتصادية حيث تمثل أميركا سوقاً كبيراً للشركات اليابانية المختلفة.
من الجانب الثقافي فالكثير من الشباب الياباني يحلم بزيارة أميركا ومغرم بثقافتها، والأطفال اليابانيون عاشقون لشخصيات ديزني.
ويمكن القول بأن التعليم والإعلام كان لهما دور كبير في تشكيل هذا الانطباع لدى اليابانيين تجاه أميركا.
من جهة أخرى نجد أيضاً تذمراً من مواقف اليابان غير القوية تجاه أميركا ومن ذلك كتاب "اليابان التي تستطيع قول لا" والذي ألفه (إيشيهارا شينتارو) حاكم طوكيو السابق و(موريتا أكيو) رئيس شركة سوني السابق، والذي صدر في مطلع التسعينيات من القرن الماضي حيث انتقد اتكال اليابان المبالغ على أميركا والتي لن يدوم تألقها داعياً اليابان إلى تعزيز شراكتها مع آسيا والعمل على الاستحواذ على التقنيات والقوى التي تؤهلها لأن تقول لا في وجه مطالب واشنطن!
وفي مجال الأعمال الدرامية كان مسلسل (قصة قرن) والذي تم بثه في صيف عام 2000م في محطة تي بي إس حيث عرض عن الحياة التي عاشها اليابانيون بعد الهزيمة وحوادث اغتصاب الفتيات اليابانيات على أيدي قوات الجيش الأميركي. ومن أبرز اللقطات المشهد الذي يقرأ فيه أحد الأطفال اليابانيين موضوع التعبير الذي كتبه أمام العسكر الأميركان الذين حضروا تلك الحصة فيقول: "إنني أكره الأميركيين الذين قتلوا أبي" فترد عليه المعلمة اليابانية بأن هنالك الكثير من الأطفال الأميركيين الذين فقدوا آباءهم كذلك جراء الحرب وهم يشاركوننا نفس المشاعر ولذا فعلينا ألا نسمح بارتكاب نفس الأخطاء مرة أخرى!
وعند الحديث عن الحرب العالمية الثانية فقد صرح وزير الدفاع الياباني السابق (كيوما فوميؤو) (2007) وأثناء محاضرة بجامعة ريتاكو: "نأسف كثيراً للضحايا في ناجازاكي، ولكن عندما نفكر الآن نجد أن إسقاط القنابل النووية كان أمراً لا مفر منه لإنهاء الحرب!".
اضطر الوزير بعد ثلاثة أيام لتقديم استقالته تحت الضغط الشعبي الرهيب فمهما كانت العلاقات مهمة والتحالف استراتيجياً مع أميركا فلا يمكن القبول باعتبار ضحايا هيروشيما وناجازاكي خياراً لا بد منه لإنهاء الحرب.
من وجهة نظر شخصية متواضعة، فلعل أهم ما يمكن استخلاصه من تجربة اليابان في علاقاتها مع أميركا بعد الحرب، هو الاعتراف بالأخطاء الذاتية وعدم ترك جراح الماضي تحول دون الاستفادة من دولة تقود العالم سياسياً وتكنولوجياً. فمشاعر الحقد والكراهية تستهلك الكثير من الفرد والأمة والأوطان بينما يمكن تحويل تلك المشاعر لطاقات إيجابية نحو النجاح والتقدم وتحقيق النصر في الميادين المختلفة.. وصدق من قال: "الإجابة الوحيدة على الهزيمة هي الانتصار"