قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: " الرجل التافه يتكلم في أمر العامة "*سنن ابن ماجه
مذ أكثر من ألف وأربعمائة عام مضت، نبوة من لا ينطق عن الهوى أخبرتنا أن للرويبضة زمن آتٍ فتحققت. ها هم فوج يتسابقون في ميادين ذواتهم مذبذبين بين وسائل الإعلام الاجتماعي. يتناولون أمور العامة حول مواضيع ذات جسامة وأهمية كأمور دينية، قضايا مجتمعية، أو عادات وثقافات .... وغيرها، فيسخرون منها ويتحدثون بما لا يفقهون فيها تحت مبدأ حرية التعبير عن الرأي.*مندفعين هؤلاء بألسنتهم وأقلامهم وعقولهم وأبدانهم من أجل صناعة ملهاة فكاهية للهُزأة بمن حولهم، باعتقادهم هو فن من فنون الكوميديا. وأشدهم سذاجة هم من يختلقون الأقاويل ويمارسون الكذب من أجل إثارة الجدل والجمهرة أو العائد المادي.*ومن هذا المنطلق، يقتحمون عالم الشهرة ويقدمون ما يتلاءم مع ذائقتهم لنيل لقب "المشاهير"، ثم يتفرغون تماماً للتزاحم وإثبات وجودهم إلى الصدارة من خلال استقطاب أكبر عدد من المتابعين كما يطلق عليهم "فانزات".
"مشاهير بلا رسالة هادفة في مواقع التواصل الاجتماعي". لسنا هنا في صدد إبادتهم فهم باقون وسيبقون لا حيلة في أمرهم. فبعيداً عن انسلاخهم الإعلامي، وامتداداً لما تم طرحه ونقاشه كثيراً حول هذه الظاهرة العالمية، اتضح أن المشكلة تكمن في "المتابعين" من جميع الفئات العمرية. مجرد الحرص على متابعتهم ومشاركة إنتاجهم مع الآخرين هو الدافع الأساسي لجعلهم مشاهير. كما أنه على الرغم من ظهور بعض الحملات الإعلامية مستهدفة المتابعين للحد من جعل الحمقى مشاهير، إلا أنهم مازالوا منغمسين ورائهم بلا فائدة أو احتساباً للوقت المهدر. بل وعلى صعيد التبجيل، لا يكادون يتحدثون إلا عنهم ولا تعلو ضحكاتهم إلا بعد مشاهدتهم.
وما أدراك ما قوقعة بعض الفتيات حول تقصي يوميات أياً من المشهورات النساء وهي تستعرض آخر مقتنياتها كما تدعي من الكماليات المرغوبة لدى جميع الفتيات كجزء من يومياتها. هنا تنجح هذه الفئة من المشهورات في تحقيق ما تهدف إليه وهو الحصول على نسبة عالية من المتابعات تنافساً مع شاكلاتها الأخريات. لأنها وبكل بساطة تمارس حقيقة "الحقنة تحت الجلد" وهي أحد نظريات التأثير المباشر في وسائل الإعلام والاتصال - بغض النظر عن أغراضها الإيجابية في جوانب أخرى - حيث يُعتمد هذا الأسلوب للبحث عن الثُقب الغائر والذي من خلاله يتم الوصول مباشرة إلى عنصر الجذب ليتسرب بدوره إلى مرحلة الهيمنة الكاملة كمحلول الإبرة والوريد تماماً. فما يومياتهم سوى اصطناع مغلف خلف العالم الترويجي والمتابعين بين هذه وتلك.
وما يزيد المشكلة عمقاً ومساحة أيضاً، أن بعض المنشآت ذات النشاط الربحي خاصة وبتعاونها مع شركات الدعاية والإعلان، تساهم في جماهيريتهم حيث تتخذهم أنموذجاً إعلامياً إيجابياً وإدراجهم ضمن قائمة الشخصيات المؤثرة في المجتمع. فيلجؤون إليهم كوسيلة إعلانية تسويقية على مرحلتين بهدف الوصول إلى متابعيهم لتحقيق الربح بطريقة غير مباشرة. بالتالي، تتسنى الفرصة لهؤلاء من الظهور الإعلامي كمنصة للشهرة على نطاق أوسع وأكثر انتشاراً بالإضافة إلى محصولهم المادي. والمتابعين؟؟؟ المتابعين هم مجرد أداة وقتية لتحقيق مصلحة المشاهير. مجرد منفذ عبور نحو لا شيء. فما العتب إلا على المتابعين وهم على مرأى من السقم الفكري الواضح ولكنهم مستمرين من باب الترفيه والاستمتاع، دون أدنى تفكير لاختيار الوسيلة الأفضل والأجدر. وكأن لسان حالهم يقول: أنا المسمومُ ما لي ترياق*ولا راقٍ.
وفي الختام المنصف، لا شك أن هناك كوكبة ضخمة متسامية من المشاهير أصحاب الرسائل الهادفة وفقهم الله. ولكن كان الحديث هنا متقولب فقط حول متابعة الرويبضة من المشاهير المزعومين الذي لا يحملون ما يثري المنفعة.
دمتم بخير