مشاري بن سليم - جده :
كثر في الآونة الأخيرة ظاهرة من أخطر الظواهر التي تؤدي بمجتمعٍ بأكمله إلى الهاوية، إنها ظاهرة *"اغتصاب الطفولة" جسدياً أو معنوياً، والذي غالباً ما يتسبّب في تكوين شخصية معقدة منطوية على نفسها أو عدوانية محبة للإنتقام، لحرمان الطفل من الإستمتاع بتلك المرحلة الهامة من حياته، و كتمانه لما تعرض له سواءً خوف من المعتدي، أو من الفضيحة التي ستلازمه وعائلته للأبد خصوصاً في مجتمعاتنا الشرقية.*"
روان " طفلة في عمر الزهور عاشت ذلك الكابوس وهي لا تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها بعدما أغواها أحد العمالة الوافدين واستدرجها لغرفة ملحقة للبقالة التي يعمل بها، لينتج ضحية أخرى تتمثل في طفل عاش الحرمان من سند والده الذي تخلى عنه و حضن أمه التي تركته بالمستشفى لأكثر من سنة و نصف.
بعد تعرضها للاغتصاب، كتمت " روان " سرّها خوفاً من الفضيحة التي كان يهددها بها مغتصبها ولكونها لا تزال طفلة لم تكتشف والدتها حملها إلا بعد مرور سبعة أشهر، لجأت إثرها للقضاء لتقديم شكوى ضد الجاني الذي صدر ضده حكم بالحرابة بعدما*تم القبض عليه واعترافه بجريمته الشنعاء. الأمر الذي جعله يستأنف*الحكم وينكر فعلته ويغيّر أقواله ليصدر حكم بسجنه خمس سنوات رغم أن تحاليل*DNA*التي أجرِيت للطفل تؤكد أبوته له وبالتالي صحة أقوال الطفلة المدّعية.
استلمت جدة " روان " ابن حفيدتها من إدارة المستشفى بالقوة الجبرية عن طريق الشرطة، بعد مماطلة الشؤون الاجتماعية في استلامه، و لكن بعدها تعلقت به كثيرا لدرجة أنه أصبح الأمل الذي تعيش لأجله. لذلك طالبت بحضانته واستخراج هوية له وقد وُفِّقت في استخراج شهادة ميلاد من سفارة بلدها التي وافقت بدورها على تجنيسه لأمه، كما أنها تحصلت على بلاغ تنازل من الوالدين طلباً من مصلحة الجوازات لاستكمال ملف هويته، وفي مثل هذه الحالات يعتبر تنازل الوالدين عن حضانة طفلهما للجدة في مصلحته ليكبر في بيئة عائلية متوازنة خالية من الاضطرابات.
وهاهي الأربع سنوات تمر و الطفل " خالد " ينعم بدفء حضانة جدته التي لن تكتمل سعادتها إلا بحصوله على هويته لتضمن له تلك الحياة الكريمة التي تكاد تحرمه منها ظروف قاسية جمعت والده المغتصب وأمه الطفلة الضحية.
وإثر محادثتي لها حمّلتني رسالة أبلِّغها بكل أمانة، تنصح فيها كل بنت بعدم الخوف والدفاع عن نفسها ولو بالصراخ، و لكل أم بعدم إهمال بناتها بل إحتواءهن والإهتمام لأمرهن وجعلهن صديقاتها المقرّبات وشراكة الأب في أي مشكلة مهما كان حجمها، كي لا تتكرّر مسرحية مأساةٍ كل أفرادها ضحايا بينما هي تعتبر بطلتها الأولى .
إنها رسالة توعوية تخص جميع أفراد المجتمع بأهمية دور الرقابة الأسرية والحوار والإحتواء وتوفير الوظيفة العاطفية للأبناء داخل الأسرة.
وهتا تتضح مسؤولية المجتمع بكافة أفراده، أسرة ومدرسة وإعلاما ومراكزا للتوعية الاجتماعية والأسرية فى التخطيط والاعداد والتنفيذ لوضع البرامج التي تحقق حمايتهن من الوقوع فى مثل هذه المشكلات و التي تؤثر على توافقهن الاجتماعي والنفسي..
نسأل الله السلامة لبناتنا فهن أمهات المستقبل ومربيات أجياله..
نفتقد الوعي في مجتمعاتنا في مثل هذه الامور والتي تحمل طابع الخجل والتستر والخوف من الفضيحة وبالتالي يتمادى المجرم في فعلته ولا يقف عند حده*