الأستاذة - أميمة عبد العزيز زاهد
الزواج رباط مقدس، ومن العقود المهمة في الإسلام، ولأهميته؛ فإن الله سبحانه وتعالى لم يصف عقداً من العقود بما وصف به عقد الزواج، فقد وصفه بأنه الميثاق الغليظ، فالزواج معاهدة بين طرفين على تكوين أسرة مبنية على مبدأ الاحترام والمحبة والعطاء والتضحية والإخلاص، وفي هذا العلاقة ثوابت يتفق عليها الجميع، وجوانب أخرى تختلف حسب البيئة الاجتماعية، فوجود اثنين معاً في رحلة طويلة يحتاج إلى مقومات لنجاح العلاقة، أولها أن يجمع بينهما القبول والرضا، مع مراعاة التوافق الثقافي والتعليمي والعمري والاجتماعي والمادي، وأن يعرف كلّ منهما ما له من حقوق وما عليه من واجبات.
وأي زوجة تعرف ما الذي يحبه زوجها وماذا يكره، وتعلم ما المسموح وما الممنوع، وفي المقابل تعلم ما هي الأمور التي ليس من حقه أن يتدخل فيها، أو يمنعها عنها، والعكس صحيح، وعندما يعي كل منهما ذلك، سيخلق التكيف والتعامل مع متطلبات الحياة، ليس من منطلق الوصاية، ولكن لتستمر الحياة الزوجية هانئة هادئة، ولكن ليس من المنطق أن يعرف الزوج ويتقبل بعض التصرفات ويوافق عليها، ثم يطلب من زوجته بعد الزواج أن تتنازل عنها، وفي نفس الوقت ترى الزوجة نفسها بأنها لم تتغير ولم تحاول الخروج عن المألوف، ولا يوجد أي مبررات لتصرفات زوجها، وحتى لو وجدت مستجدات بسبب المنع، لا بد من مناقشتها بالعقل وبالحوار، وإقناعها بسبب هذا التحول؛ لأنها ستجدها إجحافاً في حقها، وعندما يبدأ الزوج بطريقة أو بأخرى بفرض رغباته على زوجته، تتوتر الحياة بينهما، فإما أن ترفض الانصياع وتستمر على ما هي عليه ويستمر بذلك مسلسل النكد، وإما أن توافق حتى ولو لم تقتنع، وبخضوعها قد تصاب بتراكمات نفسية، ومع مرور الأيام ينفجر بداخلها البركان، لذا فإن النضج والتأهيل النفسي والجسماني والعقلي القائم على مبدأ الصراحة والوضوح وعدم اللجوء إلى إخفاء الحقائق، ومعرفة كل منهما لطباع الآخر منذ البداية، ومناقشة التصرفات أو السلوكيات التي لا تعجبه ولا تناسبه، ومحاولة الوصول إلى حلول ترضي الطرفين من الأمور التي يجب عدم التهاون بها.
كما أن التوافق الاجتماعي والبيئي مهم للطرفين، فالبيئة الثقافية التي يفرضها المجتمع في وجدان كل منهما تجعلهما على دراية بالحدود والضوابط التي يجب أن يحافظا عليها في إطار الشرع، ولو تطور الاختلاف أكثر، أو لو تمادى الزوج في قائمة المحظورات، ولم يمثل لها الأمان أو حتى القدوة، سيؤدي ذلك لنتائج عكسية، ويجدر على كل من الزوجة والزوج التغاضي وعدم توجيه عدسته على عادة قد لا تعجبه في الآخر، ويحاول اقتلاعها بالقوة، ولا يرى أو يستمتع بباقي الطباع الجميلة.
فالتغاضي مطلوب؛ حتى تسير الحياة سعيدة، لا تكدرها صغائر الأمور، فليس بالضرورة أن يكون كل زواج ناجح زواجاً مثالياً، فهناك من يعيش حياة مستقرة هادئة رغم وجود مشاكل، لكنها لا تخرج عن نطاق المألوف..