بقلم / منى الشهري سوط حريري
تتصل المدرسة على المنزل لتستفسر عن غياب الطالبة ويرد اﻷب ليقول أوصلتها للمدرسة بنفسي!!
تستقبل اﻷسرة ضيوفها وبعد ساعات من الضيافة والأنس بالحديث تكتشف اﻷسرة أن ابنتها قد اختفت من المنزل !!
لماذا يظهر التخطيط والجرأة فجأة في شخصية تلك الفتاة الصغيرة الساذجة الخوافة !!
سأتحدث اليوم من خلال مقالي هذا عن هروب الفتيات من مدارسهن بل وحتى من بيوتهن ..
سأتحدث عن تلك الصغيرة الشابة التي فُتحت عليها كل سبل الإفساد وسهولة التواصل ..غزتها في قعر دارها أفكار الحرية ووهم العشق والمتعة ثم سارت تواصل حلمها على أنغام اﻹثارة .
لن ألقي باللائمة اليوم على من اعتدنا لومهم من غزاة الفكر ولا صناع اﻹباحية ..لن أردد مفاسد اﻹعلام ولا الإنفتاح .. لكني سأتحدث عن ذلك البيت الذي تاهت فيه مشاعرها ، ووُلدت فيه فكرة الهروب ، وانطلقت من بين أرجائه مسيرة الهروب تلك ..سأتحدث عن ذلك اﻷب المسكين الذي ربما توقف قلبه من هول خبر فقدان ابنته .. عن ذلك اﻷخ الذي وجد نفسه ينشر صورة أخته للمساعدة في العثور عليها ويتوجه للشرطة للمساعدة في إيجادها ..حتى هانت عليه كل المواقف أمام فقد أخته وجهل حالها .. والخال والعم اللذان راح كل منهما يعلن عن مكافآت مالية لمن يساعد في إيجادها .
وربما استسلم اﻷب واﻷخ للصدمة وربما انطووا بعيدا عن أقرب الأقربين ..وربما غلبت نزعة الإنتقام وفكرة القتل على التفكير في حالها .. دوامة من الحيرة والحزن والخوف والغضب تتعاطاها كل أسرة بشكل أو بآخر لكنها تتفق جميعا على أنها كارثة .
وبعيدا عن تفاصيل كل هروب وملابساته ، وعن إسقاطاته على كل حالة .. وبعيدا عن حصر صور الهروب في هروب اﻷجساد وفي انكشاف هروبها .. وبعيدا عن عدد تلك الحالات ومدى تكررها ..سأطرق هذا الموضوع من زاوية أخرى غير تلك التي تختص بالوالدة والمعلمة واﻷخت ولا شك في تأثيرها ..لكني سأطرقها من زاوية ذلك الرجل ..
الرجل الذي غاب فحضر رجل آخر ليختطف منه تلك الصغيرة ويعبث بمشاعرها وربما بمستقبلها كله.
فكم من فتاة هربت من حضن والدها. .هربت من حماه..ولا زال جسدها موجودا في بيته..لم يلحظ هروبها..حامت روحها وسافر قلبها وبدأت أقدامها تتأهب للهروب ولم تزل أمام عينه ..وكم من فتاة هربت وهربت ولم يلحظها أحد .
فبين جدران بيوتكم أيها اﻵباء قلوب اكتوت من نار التجربة ..تجربة الهروب ..وتجرعت سم الخيبة ..وجرحها زجاج الوهم المتحطم فيها..كم من بيوت هربت فيها البنت ثم عادت بأوجاعها وربما علقت وتريد العودة ولم تستطع..كل ذلك دون أن يشعر بها أحد من أهل ذلك البيت .
بناتنا التائهات..يضحكن في صخب المتاهة وترتعد قلوبهن من هزات العاطفة والحيرة والخوف ..ونحن ننظر فقط لضحكاتهن ونقول جيل مستهتر !
يجب أن تفهم أيها اﻷب أن ابنتك الصغيرة تلك التي كنت تمسك يدها كي لا تسقط قد كبرت وأصبحت تحتاج يدك أكثر كي لا تسقط .. راجع نفسك أيها اﻷب ألم تحملها بين يديك ! ألم تلعب معها ! ألم تغني لها ! ألم تسمعها كلمات حب وحنان قبل أن ينطق لسانها ويكتمل إدراكها لمعاني تلك الكلمات ..أعندما اكتمل إدراكها منعت لمساتك وبخلت بكلماتك !!
هي لم تكبر عليها ..ولو عاودت مداعبتها كما كنت تفعل سابقا ستلمح في عينيها نفس النظرة وسترى نفس الابتسامة..
خذ ابنتك ذات الخمسة عشر عاما في السيارة مشوارا خاصا بها ..اتصل واطلبها مخصوصا ..اقترب منها ..فالرجل عندما يتواجد في حياة ابنته ويشغل مساحة كبيرة في قلبها لن ينفذ لحياتها وقلبها رجل مخادع ..لستُ أبالغ..فعندما تأتي فتاة في المرحلة المتوسطة لتخرج مع شاب في سيارته كل طموحها هي أن تتناول معه الكابتشينو وتتجول معه في السيارة وتسمع كلمات تنعش قلبها ..هذا تفكيرها ..وإن كان تفكير الرجل مختلف..بل من المحزن أن هذه الفتاة تدفع له من مصروفها قيمة البنزين !!
عبث باحتياجها لشيء من الإهتمام تفتقده .
تداركوا بناتكم..تداركوا قلوبهن المسافرة التي غادرتكم منذ زمن .. أعيدوهن إلى أحضانكم .. اعطفوا ..مازحوهن..أسمعوهن تلك الكلمات التي كسرت قلوبهن وهي تنطلق على ألسنة الذئاب ..فكسرت الواحدة منهن كل الأبواب وانطلقت خلف ذلك الذئب وقد كسرت كل مخاوفها وكل شكوكها في كذبه.. فاﻷجواء اﻷسرية كلما كانت خانقة كلما تاقت الفتاة إلى أجواء تداعب شبابها ومرحها..وكم امتلأت حياتنا بالجدية مع اﻷسرة .
لا تنظر لعمرك وعمر زوجتك فقد كبرتما (كما تعتقدان) على بعض المرح ..لكن بناتكم بحاجة للنزهة العائلية والمشاوير الطويلة بالسيارة وبعض الدلال ..ارجعا للبيت وقد امتلأت قلوبهن حبا وعطفا ..دعوهن ينمن وقد استنشقن عبق اﻷسرة .
لا تمل..لا تتضايق..لا تستكثر وقتك المنقضي مع ابنتك ..فأنت تبني أجزاء من قلب ابنتك ومستقبلها وتضرب حوله سياجا من الحماية .. وقد تكتشف رحلة الهروب في أولها وقد لا تستفيق إلا على نهايتها.. أعنها على تجاوز تلك العثرة ..استصلح قلبها المنهك وجوارحها الخاطئة ..اقبل عودتها واستر زلتها ..ولا تحطمها وأنت تحطم الجسور التي هربت عليها ..أغلق ثغرات إهمالك ولكن لا تنسى ثغرة جفائك .
وأقول لمعاشر الواقفين على الطريق ، الشاهدين على رحلة الهروب ، المحللين للحدث ، الطائرين بأخباره ، وقد تلقيتموه بألسنتكم وقلتم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ..دعوا عنكم أحكامكم فلكل قصة تفاصيلها التي قد تجهلونها وربما امتلأت بيوتكم بقصص أشد وأنتم لا تشعرون .. وربما كان لكم موعد مع رحلة لا زال أبطالها اليوم صغارا في بيوتكم أو لم يولدوا بعد فاتقوا الله في بنات الناس ليحفظ لكم بناتكم .
وأقول لهم .. ليس العفاف والفضيلة والتربية صورة لا تظهر إلا في إطار السب والنقد والتشجيع على العقاب والتشهير بأصحابه ولوم المقصرين بل أعظم صوره هي تلك التي تعين على غلق منافذ الفساد وإيواء الهاربات وإعادتهن لحضن الفضيلة والصلاح .
وكم يؤسفني أن يقلل البعض من أثر هذا الجانب بحجة أنه جيل مستهتر لا بد له من صرامة .. وكم يحزنني أن يخلط البعض بين من يوظف العاطفة لاستصلاح البنات وحمايتهن وبين من يتذرع بها ليسهل لهن سبل الفساد والإنحراف ..وكم يؤلمني والله أن يظن البعض أن التأديب والعطف لا يجتمعان !!
لا تعلقوا كل اﻷسباب على التربية الدينية وأنتم تجهلون أن المعاملة دين ..والملاطفة دين..والحب والاهتمام دين ..وليست مسؤوليتكم فقط غلق أبواب الفساد وبيان حكم الشرع فيها ثم إهمال تحصين تلك القلوب ضدها !
وأوجه كلمة خاصة ..لك أيها اﻷب الذي قُدر عليه الإنفصال عن زوجته ..لا تحرم ابنتك من حضن أمها مهما كبرت ..ولا تحرمها حضنك ولطفك .. فإن غياب أمها يعني غياب السماعة التي تنقل لك ضربات قلبها .. ولا تقيم سعادتها من مظهرها ولا من تقييم من حولها ..فكم تخفي الفتيات من أوجاع وأنتم لا تشعرون .
إلى اﻷخ الذي ما عرفته أخته إلا حارسا لها مراقبا لسلوكها..لو علمت أنك تصون أختك بحبك لها وعطفك وإحسانك أكثر مما يفعله تهديدك وهيبتك !!
إلى العم والخال اللذان لا يشعران بمسؤوليتهما تجاه تلك الفتاة إلا عند البحث عنها .. إلتفوا حول بناتكم وتواجدوا في حياتهن ..قدموا فيهن ما تودون رؤيته في بناتكم اللاتي من أصلابكم .
إليكم جميعا ..أذكركم وصية نبيكم عليه الصلاة والسلام في آخر أيام حياته ” استوصوا بالنساء خيرا ”
رابط المقال
http://al-khaleeg.com/19165.html
فاجعة تلو فاجعة ، والأدهى أن الضحايا فيها أطفال ،
سواء هربت الفتاة أو لم تهرُب يظل كونها ضحية أمر لا نزاع فيه ،
هذا الوقت الذي أنصرف الراعي عن رعيته ، والأم الحنون عن واجبها العاطفي ، والأخ عن غيرته و كونه السند ،*
كُلاًّ مع نفسه ، لا أحد يدري عن أحد ،
طفولة يخدش براءتها الفقر العاطفي والاهمال ،
تـشبع ماديا بكل وسائل الترفيه والأجهزة ودونما رقابة ،*
جوعها لاهتمام يُلقيها في وحل الذئاب الجائعة لتجد لدى أحد منهم الأمان المصطنع والملاذ والعاطفة ،*
ومن المسؤول !*
لا أحد يجرؤ اتهام طفلة في شرفها واخلاقها ، فمازالت طفلة ، كل الاتهام والحنق موجه لذويها ،*
غادرن طفولتهن مبكراً ، غادرت قلوبهن قبل اوانها ،*
يعتقد الاهل كون اطفالهم وبناتهم متواجدين على مد النظر ، أنه أمر كافٍ وكم من فتاة متواجدة ولكنها بعقل وقلب بعيد ،
وكم من طفلة يعتقد ابويها انها تنعم في نومها وهي تُحادث رجلاً يكبـرها بسنوات ،
كم من خطة تُحاك وكم من براءة تُنتهك وكم من حياء سال طريحاً في نافذة الكترونية ، وكم من طفلة لم تعد طفلة ..*
اشبعوهن قبل أن يبحثن بطرقهن عنه ،
اشعروهن بالرقابة والخوف والغيرة قبل أن يعضّوا اصابع الندم ويفوت الأوان ،*
في وقت كهذا طرق الخطيئة تُقدم مجاناً ونبصرها في كل مكان ، عضّوا على شرف اطفالكم وبناتكم وعرضكم بالنواجذ فهن عماد الأمة وامهات اجيال اتية ، لهن في رقابكم حق وأمانة .*
عزيزتي مقال جميل بقدر ألمه ، أسال الله ان يحفظ اطفالنا وبناتنا ويصلح حالنا ودواخلنا