الكاتب . محمد الفوز - جده
وراء كل صمت حكاية متعبة ، وحالات غامضة لا تحتاج مبرراً لكن الذي يمتلك مساحة أمل لن يقتله الفراغ بلاشك ، لذلك ننتظر أرق الويكند الذي يهب أجسادنا حرية الوقت كما يجعلنا أكثر قدرة للانسجام مع أفكارنا و قراراتنا الذابلة بعد رياح أسبوع مكدود بالروتين و بيروقراطية الأنظمة التي أجبرتنا على البلادة والقيود الصارمة التي لم نكن طرفاً في سن قوانينها أو إبداء الرأي في تغييرها وتعديلها على أقل تقدير .
الليل -في الويكند- إذا لم يكن مختلفا عن رتابة أيامنا المعهودة ، فلا طائل من الأرق الذي يفترض به أن يمنحنا طاقة الإلهام و يسكب على رؤوسنا نهراً من الإلهام ... فالأرق هو غسلٌ واجب لتأدية طقوس اللامبالاة في زمن أبعدنا كلياً عن سبل التقاليد حتى ضاقت أرصفة الود ناهيك عن دروب المحب التي كانت وعرة جداً رغم قلة حيلتنا عندما كانت القرية محطتنا الأولى التي اختطفنا منها قطار التمدن سريعاً وبات طريق العودة صعبا إن لم يكن مستحيلا .
دعوني أقشر فاكهة الأرق .. قليلاً ، من يأكل معي لُب الذكريات سيكون متخماً بأبجدية الحنين ، وعليه : إن مجلس القصيدة الذي اعتاد على العزلة ، سيتورط بفوجٍ كبير من الممسوسين بالغواية وقد تضج الأصوات لدرجة الغياب .
إذا ازدحم الأرق و صار الكل بحاجة لدوزنة إيقاع جديد ، تغدو الحياة أجمل ، لكن : الخوف أن يختلط الجميل بالنشاز ، ولا أحب الرهانات الخاسرة !
أرق الويكند على أية حال هو علامة فارقة في حياة المدنيين ومن هذا المنطلق مايكتبه الكائن القروي الذي تستدرجه الأصوات المنبثقة من هلس الطبيعة يختلف عما سيكتبه الكائن المدني الذي أوجزت الآلاتُ خطاه و تضافرت المواعيد في انشغاله عن ذاته .
الآن تشتعل اللحظة ، ونبتكر من الأرق معراجاً للسمو ، على الأرجح سنختبر الندامى ، ونفرك حجر الفلاسفة في عين الظلام ربما تُضيء الفكرة ونخجل من أنفسنا على ركضنا اللاهث بعجلات المادة .
يقول المتنبي :
أرَقٌ عَلى أرَقٍ وَمِثْلي يَأرَقُ
وَجَوًى يَزيدُ وَعَبْرَةٌ تَتَرَقْرَقُ
جُهْدُ الصّبابَةِ أنْ تكونَ كما أُرَى
عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وقَلْبٌ يَخْفِقُ
مَا لاحَ بَرْقٌ أوْ تَرَنّمَ طائِرٌ
إلاّ انْثَنَيْتُ وَلي فُؤادٌ شَيّقُ
جَرّبْتُ مِنْ نَارِ الهَوَى ما تَنطَفي
نَارُ الغَضَا وَتَكِلُّ عَمّا يُحْرِقُ
وَعَذَلْتُ أهْلَ العِشْقِ حتى ذُقْتُهُ
فعجبتُ كيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ
وَعَذَرْتُهُمْ وعَرَفْتُ ذَنْبي أنّني
عَيّرْتُهُمْ فَلَقيتُ منهُمْ ما لَقُوا
نَبْكي على الدّنْيا وَمَا مِنْ مَعْشَرٍ
جَمَعَتْهُمُ الدّنْيا فَلَمْ يَتَفَرّقُو
لستُ بصدد شرح ماقاله أبو الطيب المتنبي ، ولكن البؤس ألا تجد نفسك في بيت شعر ، والجميل أن تتقمص من كل عبارة أو كلمة أزياءك الخاصة ، فليس الهندام في صورتك أمام الناس إنما صورتك أمام نفسك يجب ألا تنكسر بل الجدير أن تكون مرآة للآخرين وإلا ما الداعي لوجودك معهم ومحبتهم لك ؛ أليس كذلك؟!!
أرق الويكند لا تجعله اجتراراً لأيامك المنصرمة ، بل شرفة بوح لمناغاة طموحاتك وفرصة أكيدة للدخول في قلب أصدقائك والتباهي بقدرتك على التواصل مع الخلصاء ولاسيما أهلك وعشيرتك و فلذة كبدك ، واجعل للكتابة والكتاب نصيب الأسد إذا قررت افتراسَ الدهشة الطريدة في أشرس قوة تمتلكها ، فاللذة في الامتلاك لا تساوي امتلاك اللذة ، لذلك فلسفتك للأشياء هي مقدار عمقك وأملك في التعاطي معها .