د.م. عصام أمان الله بخاري
مَهْلاً هَدَاكَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَة
الْقُرْآنِ فِيهَا مَوَاعِيظٌ وَتَفْصِيلُ*
لاَ تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الوُشَاةِ وَلَمْ*
أُذْنِبْ وَلَوْ كَثُرَتْ فِيَّ الأَقَاوِيلُ
هذان بيتان مختاران من قصيدة كعب بن زهير بن أبي سلمى والتي قالها أمام الرسول صلى الله عليه وسلم يتحدث فيها عن الوشاة ومؤامراتهم ضده ودسائسهم عليه، مقالة اليوم تتحدث عن وكالة أنباء الفاسقين..
بداية أحب أن أطمئن كل من ابتلي بالخفافيش من مراسلي وكالة أنباء الفاسقين بأنها ضريبة النجاح! ولكن ما يهمنا هنا ليس الفاسقين، بل الذين تُحمل إليهم الأنباء من صناع القرار وما يمكن أن يترتب على ذلك.. ننطلق إلى أرض الكنانة وملك مصر الذي وافاه ساقيه بتأويل رؤياه بعدما سمعها من يوسف عليه السلام السجين ظلماً بسبب مكر امرأة العزيز.. ونجد يوسف عليه السلام حريصاً على تفنيد تلك التهم الباطلة قبل مقابلة الملك في قوله : ( ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم). تخيلوا كيف سيكون حال مصر والمنطقة من المجاعة لو أن الملك لم يتبين ولم يتثبت من صحة ما حيك ضد يوسف عليه السلام؟
وننتقل إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم والذي واجه أسوأ حملات التشويه من كفار قريش وهو الصادق الأمين،، وهنا تتمثل عظمة أول من اعتنق الإسلام من الأنصار من أهل المدينة غير عابئين ولا مكترثين بما تبثه وكالة كفار قريش للأنباء! وتستمر الحملات ولكن هذه المرة من داخل المجتمع النبوي من المنافقين والذين راحوا ينشرون الإشاعات والأكاذيب عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حرباً على الرسول الأعظم.. وهنا يأتي التوجيه الإلهي في قوله تعالى (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين).
واليوم وفي زمننا هذا، أصبحت وكالات أنباء الفاسقين تدار من قبل دول ومنظمات معادية وما نراه من حرب مسعورة لا وازع فيها ولا ضمير ضد المملكة وقيادتها وشعبها في مواقع التواصل الاجتماعي ما هي إلا صورة جديدة لتلك الحرب القذرة والتي تهدف إلى هز صورة الوطن.. وقد نحتاج لتذكير أنفسنا وأبنائنا دوماً بأنه إن جاءنا الواتس أب أو التويتر وغيره بنبأ فعلينا أن نتبين ولا نكون مطية لنشر أنباء الفاسقين من أعداء الوطن وكذلك الحال مع أعداء النجاح فينطبق علينا قول الله عز وجل (أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
وأحب هنا أن أستشهد بسيرة السفير السعودي المخضرم أ.فيصل طراد والذي تشرفت بالعمل معه حيث كان إذا أتاه أحد بنبأ عن أحد سرعان ما يقوم بالاتصال بالطرف الآخر واستدعائه أو التبين مباشرة منه هاتفياً ومن صحة ما قيل وأمام المدعي.. هذا السلوك يزرع ثقة المرؤوسين في رئيسهم ويردع كل من تسول له نفسه ظلم الناس واتهامهم بغير حق..
وباختصار فلا بد من التبين ولا بد من استيضاح الحقائق مهما كان مصدر المعلومات، فالتشويه قد يكون منبعه الحقد والحسد وتصفية حسابات شخصية وغيرها،، ويكفي أن إخوة يوسف عليه السلام العشرة لم يكتفوا بإلقائه في غيابة الجب بل جاؤوا من بعد السنين بالافتراء واتهامه مجدداً في قولهم: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل)..
ومرة أخرى أطمئن الناجحين الذين ابتلاهم الله بمراسلي وكالة أنباء الفاسقين وأذكرهم بمقولة الشيخ محمد الشعراوي رحمه الله:" عجبت لمن ابتلي بمكر الناس كيف يغفل عن قول: (وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد) والله تعالى يقول بعدها: (فوقاه الله سيئات ما مكروا)".