د. حنان طالب . جدة
بكلمات مبسطة ومختصرة «الساعة البيولوجية» هي الساعة الموجودة في كل الكائنات الحية التي تتحكم مباشرة في السلوك الدوري لها وتنظم فيها تغييرات أنماطهم السلوكية عند فواصل زمنية منتظمة (مثل الليل والنهار).
الساعة البيولوجية هي التي تنظم نوم الإنسان واستيقاظه، كما أن لها تأثيراً في صحة الإنسان ومزاجه وأدائه في الحياة عموماً.
وأكبر مثال هو عندما يسافر شخص ما بطائرة نفاثة إلى مكان توقيته مختلف عن بلده، ستظل الساعة البيولوجية تعمل على توقيت بلده، لذلك يصاب فيها الشخص بالأرق وحتى تعيد الساعة البيولوجية توقيت نفسها يستغرق ذلك عدة أيام.
والآن سآخذكم لتستعرضوا معي دورة حياة يومية في مجتمع «منتج»، وأضرب ببريطانيا مثلاً كوني عشت فيها فترة من حياتي.
الناس يستيقظون في ساعة معينة، يذهبون إلى عملهم من دون أدنى تأخير، يصلون في مواعيدهم بالثانية ويعتذرون لمجرد دقيقة قبل أو بعد الموعد على حد أقصى، لو دخلتم أي مؤسسة عمل أو شركة أو حتى مختبر أو مدرسة ستتعجبون، البريطانيون يعملون كخلية نحل، على إيقاع زمني موحد، الكل إيجابي ومسهم في بناء مجتمعه. كانت لي جارة عجوز جداً على وشك الموت، كل يوم تمر أمام البيوت لتجمع بقايا الصحف والأوراق لتضعها في سلة إعادة التدوير. وفي يوم تجرأت وسألتها عن السبب فقالت «طالما ما زلت أعيش يجب علي أن أكون إيجابية في مجتمعي». والشاهد أنها تفعل هذه العادة كل يوم الساعة الخامسة مساء.
كنت مرة في قطار وفي تمام الساعة السادسة نظر كل من في القطار في ساعة يده وفجأة الكل أخرج شطيرة أو وجبة خفيفة كان يحملها معه في حقيبته والكل كان يأكل في تلك الساعة ما عداي أنا في القطار. فإن كان لمجتمع ما «ساعة بيولوجية كبيرة» فحتماً ساعة البريطانيين دقيقة وعريقة مثل «البيغ بن»، والنتيجة مجتمع كامل ناجح بمقياس «الإنتاجية» والتي تأخذ بعين الاعتبار «إنتاجاً أكبر في مدة زمنية أقل».
عندما عدت للوطن فوجئت وصعقت بعادات الناس، لا أعمم فالتعميم جهل، ولكن على الأقل أتحدث عمن رأتهم عيناي، أناس يعيشون في غفلة وتهاون، يتساهلون في الوقت وكأن الدنيا تمشي «بالبركة». سيماهم خلف المواعيد والتأخير بحجج الزحام. ليس لهم وقت محدد يستيقظون فيه وعاداتهم اليومية كل يوم «مختلفة» عما قبلها .. النتيجة سنظل سنوات عديدة قادمة نوصف فيها بأننا مجتمع عالم ثالث.
أحبتي، في كل واحد منا ساعة بيولوجية، ونحن ما علينا إلا أن نكتشف مفاتيح تشغيلها لنستفيد منها إلى أقصى درجة ممكنة وتسخيرها لأجل العبادات والعادات ومن أجل حياة أفضل يكون فيه كل منا «إيجابياً» لنفسه وأسرته ووطنه.