د.م. عصام أمان الله بخاري
كيف ستتفاقم مشكلة البطالة إذا استمر التعليم بوضعه الحالي؟ ما الذي يجب عمله في الأنظمة التعليمية للتعامل مع هذه التحديات؟
مقالة اليوم تستعرض كيف تخطط وزارة التعليم والعلوم اليابانية، وما هي رؤية وزيرها للعام 2040م..
في مقابلة مع مجلة شيوكان داياموند (17 /8/ 2015م) صرح وزير التعليم والعلوم الياباني (شيمومورا هاكوبون) بأن من أهم التحديات أمامه إعداد جيل ياباني متفوق ومتميز يستطيع مجاراة الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي بعد 25 عاماً من الآن.. يرتبط ذلك بتوقعات الخبير والمخترع (راي كروزويل) بأن الذكاء الاصطناعي سيصل لمرحلة يتفوق فيها على العقل البشري وتحديدا في عام 2040م.. وتم تسمية تلك المرحلة باسم (التفرد التكنولوجي The*Singularity).
وفي دراسة صادرة عن جامعة أكسفورد عام 2013م حول مستقبل الوظائف، يتوقع الباحث (مايكل أوزبون) وفريقه أن تطور الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي سينتج عنه فقدان 47% من الموظفين أعمالهم خلال العشرين سنة القادمة. ولتوضيح الصورة، ففي بريطانيا تقوم أنظمة ذكاء اصطناعي بتقييم أداء الموظفين في مكاتب المحاماة وتحديد ما إذا كان يتوجب تجديد عقودهم السنوية أو إلغاؤها بناء على أدائهم وإنتاجيتهم.. وفي اليابان استعانت بعض البنوك هذا العام بروبوت آلي طورته شركة (سوفت بانك) ليقوم بدور موظف الاستقبال ومساعدة الزبائن..
إذن.. ما الذي فعله وزير التعليم الياباني ومساعدوه لإعداد جيل ياباني متفوق عام 2040م؟
يرى راسمو السياسات التعليمية في اليابان أنه من الضروري التركيز على المهارات التي لا تستطيع الآلات فيها مجاراة البشر كالمشاعر والتصاميم والإبداع والتواصل وتأهيل الأجيال الناشئة على تطوير هذه المهارات.. وحددت وزارة التعليم الياباني العناصر التالية كأهم ما يجب التركيز عليه في العملية التعليمية وهي: (1) المعرفة والمهارات (2) القدرة على التفكير والتعبير واتخاذ القرارات (3) الاستقلالية والقدرة على التعاون والانفتاح على الثقافات المتنوعة.
وفي هذا الصدد، فقبل حوالي الشهرين (أغسطس2015 م) قررت لجنة التعليم المركزية إحداث عدد من العمليات التطويرية للتعليم مثل تغيير طريقة تدريس التاريخ بحيث يركز الطالب على الاستفادة من أحداث الماضي واستخلاص العبر بدل التركيز على حفظ التواريخ والأسماء دونما إدراك للدروس المستفادة والأخطاء التي لا ينبغي تكرارها. كما استُحدِثت طرق جديدة لتقييم أداء الطلبة عند دخول الجامعات بحيث لا يقتصر قياس القدرات على الدرجات والقدرة على حفظ المعلومات وتفريغها وقت الامتحانات!
وعلى المستوى الجامعي استحدثت جامعة طوكيو (مادة ريادة الأعمال) لتدريسها لمعظم طلبة الجامعة وذلك لنشر هذه الثقافة.
وأوضح لي مسؤولو الجامعة بأن الهدف ليس بأن يصبح جميع الطلبة رواد أعمال بل أصحاب فكر إبداعي وشجاعة على طرح الأفكار والرؤى الجديدة وتنفيذها داخل مؤسساتهم بمختلف القطاعات..
من ناحية أخرى اعتُمد برنامج جديد يسمى برنامج القادة العالميين (Global Leaders Program) بحيث يدرس الطالب مواد إضافية ويحضر برامج تصقل فيه المهارات القيادية..
ووجدت اختلافاً كبيراً في المستوى والفكر ونوعية الطرح لطلاب هذا البرنامج في محاضرتي لهم والنقاشات معهم بجامعة واسيدا مقارنة بالطلاب الآخرين في البرامج الأخرى..
وأعود لوزير التعليم والعلوم الياباني الذي يرى أن التعليم الذي نجح في الأربعين سنة الماضية لا بد أن يتغير ويتطور.. ولا بد أن يعي الآباء والأمهات أن أطفالهم سيعيشون في عصر مختلف ذي احتياجات مختلفة تتطلب تعليماً من نوع جديد يتماشى مع الأوضاع بعد خمس وعشرين عاماً من الآن..
وأخيراً.. فلو أردت أن تنظر لمستقبل دولة أو أمة، فانظر لوزارة التعليم ومسؤوليها وستعرف بناء عليه ما هو المستقبل الذي ينتظر تلك الأجيال.. أو المستقبل الذي ستصنعه تلك الأجيال.