د.م. عصام أمان الله بخاري
إذا كان الطفل السوري البريء (آلان كردي)، رحمه الله، والذي أغرقه الموج على سواحل تركيا قد مات، فهنالك أطفال ونساء يذوقون ما هو أقسى من الموت في كل لحظة!! حديثي اليوم ليس عن ضحايا المجرم بشار وعصابته وإرهابيي داعش، وليس الحديث عن معاناة اللاجئين، بل الحديث عن معاناة ضحايا عصابات تجارة البشر، إنهم الأبرياء الذين يعيشون حياة الرق والعبودية في القرن الحادي والعشرين.
ننطلق من السؤال: هل العبودية وتجارة البشر مشكلة حقيقية في هذا العصر؟ تعتبر تجارة البشر ثالث أكبر النشاطات الإجرامية بعد تجارة السلاح والمخدرات حسب دراسة صادرة عن مركز دراسات اللاجئين بجامعة أكسفورد عام 2005م. ويشير الفريق البحثي بقيادة العالم (هيذر مونتجومري) إلى أن أرباح تجارة البشر السنوية تصل إلى 28 مليار دولار سنوياً وتعد أسرع النشاطات الإجرامية نمواً. والمبكي هنا أن حوالي 98% من ضحايا تجار البشر من النساء والأطفال الصغار!!
وهنا قد يتساءل بعضكم: كم تبلغ أعداد العبيد والإماء؟ حسب ما ورد في التقرير السنوي للعام 2014م لمؤشر العبودية العالمي (GlobalSlaveryindex.org) فهنالك حوالي 36 مليون رجل وطفل وامرأة يعانون من العبودية الحديثة حول العالم.
وتشير دراسات مختلفة إلى أن هنالك مليونَي إنسان يتم الاتجار بهم سنوياً.
وفي عام 2013م وحده ارتفعت الأعداد بنسبة 22%. أما السعر فيختلف ما بين دولة وأخرى ولكن تتراوح التكلفة ما بين ألفين إلى عشرة آلاف دولار أميركي للفرد. ونشرت صحيفة الاندبندنت بتاريخ (30 /9 / 2014م) أن بعض العصابات الإجرامية أقدمت على وشم الضحايا في أجسادهم ليتم تداولهم كما السلع التجارية التي تحمل ما يسمى الباركود (barcode).
ولكن من أين تأتي العصابات الإجرامية بهذه الأعداد المهولة من البشر؟ تتنوع المصادر ولكن من أهمها إعلانات الوظائف الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بحسابات وأسماء مزيفة لاستدراج الضحايا وخاصة من فتيات أوروبا الشرقية اللاتي يتم إجبارهن على ممارسة البغاء. ومن المصادر المهمة الأطفال المشردون وخاصة مجهولي الهوية الذين تخلى عنهم آباؤهم وأمهاتهم. ويعد اللاجئون والهاربون من ويلات الحروب والجوع والفقر صيداً ثميناً لتجار البشر.
ما الحل إذاً؟
قامت عدة منظمات متخصصة للحرب ضد تجارة البشر ومن أشهرها المنظمة الدولية لمناهضة العبودية (Anti-Slavery International) ومنظمة حرروا العبيد (Free the Slaves). ونجحت المنظمتان في إقناع عدد من الدول لاستحداث قوانين تجرم الاتجار بالبشر في كل من نيبال والنيجر وست دول في غرب أفريقيا وتشكيل شبكات لمكافحة الاتجار في الأطفال وتم حل مشكلة استخدام الأطفال كرقيق في هونج كونج وتحرير مئات العبيد في أفريقيا والبرازيل. ولكن الطريق ما يزال طويلاً.
وفي عام 2014م اجتمع ممثلون من المسلمين والبوذيين والكاثوليك والارثدوكس والهندوس واليهود والبروتستانت وجرى التوقيع على الالتزام المشترك ضد العبودية في العصر الحديث. كما صدر إعلان مشترك نحو القضاء على العبودية والاتجار بالبشر بحلول عام 2020م. ومثّل المسلمين في هذا الاجتماع علماء من الأزهر الشريف.
وأخيراً، فيشير الباحث (جاستين جواي) في دراسته بتاريخ 2013م إلى أن تكلفة الإنسان المستعبد لم تتجاوز في بعض الحالات تسعين دولاراً فقط وذلك نتيجة ميل المستهلكين لاستئجار البشر عوضاً عن تملكهم لفترات طويلة..
إنها دعوة للتعاون مع الدول المسؤولة والمنظمات الدولية للعمل على عتق رقاب هؤلاء الأبرياء وتحريرهم.. فما يحصل وصمة عار في جبين الإنسانية بأن تصل حضارة القرن الواحد والعشرين لهذا المستوى من الانحطاط الأخلاقي.
وصدق سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟".