ا.ابتسام مبيريك السلمي
إن مرحلة الدراسات العليا تعتبر من أهم المراحل الدراسية، والتي قد بلغ فيها الطالب درجة كبيرة من العلم في مجال تخصصه، وقد تكون هذه المرحلة هي أمنية بعض الطلاب، لذلك تجد الطالب يبذل قصارى جهده ليكون من ضمن المقبولين في الدراسات العليا، وحينما يجد اسمه من ضمنهم تجده في فرح كبير لا تسعه الدنيا حاصلا على لقب " طالب دراسات عليا " وليعلم كل من يحمل هذا اللقب أنه لقب تكليف ومسؤولية، وليس تشريف ومكانة، فليجعل تقوى الله نصب عينيه ،وليشكر الله على نعمه فبالشكر تدوم النعم وتزداد قال تعالى : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ).
ونظرا للإقبال الكبير الذي رأيته في لقاء مع طالبات الدراسات العليا في جامعة ام القرى حول تجربة الطالبات المشاركات في المؤتمرات وكان لي شرف المشاركة ،ولكثرة التساؤلات والاستفسارات التي تصلني من طالبات الدراسات العليا بشأن الدراسة أو اختيار موضوع للرسالة العلمية او ما يختص بالرسالة نفسها فقد عزمت متوكلة على الله مستعينة به كتابة مقتطفات ووقفات قد تفيد طلاب وطالبات الدراسات العليا لعل الله أن ينفع بها، ومن أهم تلك الوقفات والنصائح ما يلي :
1- الإخلاص والنية : قال ابن القيم رحمه الله تعالى : "وأما سعادة العلم فلا يورثك إياها إلا بذل الوسع وصدق الطلب وصحة النية" ،اجعل دراستك ورسالتك العلمية خالصة لوجه الله الكريم لا رياء ولا سمعة ولا بحثا عن مدح ولا ثناء من أحد ، وجدد النية في كل حين، وقد قيل (النية تجارة العلماء) أي يكسبون بعمل قليل أجوراً كثيرة لعلمهم بعظم النية، ولهذا ينبغي استحضار عدد من النيات أثناء دراستك وكتابة رسالتك العلمية حتى يكتب الله لك أجوراً عديدة مع أن عملك واحد، كأن تستحضر في رسالتك برك بأمك وأبيك وادخال السرور عليهما وطلب العلم ونفع الناس وغير ذلك ، فالإخلاص يسهَل لك كل عسير، وتتيسر لك الأمور من حيث لا تحتسب ، فحين تخلص النية لله ستشعر بالسعادة وتجد نفسك تمكث وقتاً طويلاً جداً أمام الأبحاث دون أن تشعر بالتعب بل بالعكس قد تشعر بلذة طلب العلم في حين تجد من حولك يشفق عليك وأنت في راحة لا يشعرون بها ، لذلك الإخلاص له أهمية كبيرة في حياة طالب العلم وهو من مؤشرات التفوق والتميز وقد قال الشيخ المغامسي : (لايوجد شيء صعد إلى السماء أعظم من الإخلاص ولا يوجد شيء نزل إلى الارض أعظم من التوفيق) ،ومن الأمور التي تعين على الإخلاص دعاء الله في كل حين أن يجعل دراستك خالصة لوجه الله الكريم.
2- الهمة العالية فمن أول مميزات طالب الدراسات العليا وأهمها الهمة العالية لاتكن طالباً عادياً بل كن متميزاً مميزاً ، واقرأ في سير الناجحين والمتميزين وكن أفضل منهم ، قد تضعف الهمة أحياناً لكن تذكر أجر طالب العلم ،وتذكر والديك ،وتذكر ساعة المناقشة، وتذكر أمنياتك التي تريد تحقيقها .
3- رضا الوالدين فبرضاهم يرضى الله عنك وإذا رضي الله لا تسأل عن التوفيق الذي سيرافقك في حياتك والتيسير الذي يسعدك في أمورك .
4- ينبغي لطالب الدراسات العليا المشاركة في المؤتمرات العلمية قبل إعداد رسالته العلمية أي خلال دراسته المنهجية واسأل اساتذتك عن كيفية المشاركة ،واقرأ عن المشاركات السابقة والأبحاث الفائزة، لا تنتظر أحداً يأمرك بالمشاركة، ولكن بادر أنت بنفسك فالمشاركة في المؤتمرات العلمية تعطيك دافعاً ومحفزاً قوياً تجاه العلم وأهله لأنك ستجد طلاباً أصحاب همة عالية وأبحاث ابداعية وابتكارية في شتى المجالات، وهذه المؤتمرات فرصة للالتقاء بالناجحين والمؤثرين في المجتمع ،وبالطلاب من جميع الجامعات ومختلف الثقافات لذلك ستستفيد استفادة عظيمة في حياتك وستفيد أيضاً الآخرين من بعدك .
5- أثناء دراستك وقبل إعداد الرسالة العلمية ينبغي عليك زيارة المكتبات العلمية والاطلاع على المكتبات الالكترونية ومعرفة كيفية استخدامها ومدى الاستفادة منها .
6- ينبغي على الطالب معرفة برامج الحاسب الالي التي سيستخدمها في دراسته وكيفية التعامل معها ومعرفة مهارات استخراج المعلومة من شبكة الانترنت بطريقة صحيحة .
7- إن من الأمور المهمة والتي ينبغي أن يدركها الطالب مبكراً أن مرحلة اختيار موضوع الرسالة العلمية يجب أن تكون خلال سنوات الدراسة المنهجية أي قبل سنة إعداد الرسالة العلمية حتى لا تضيع الأوقات والشهور في البحث عن موضوع .
8- عند اختيار موضوع رسالتك العلمية اقترح أن تتبع الاستراتيجية الآتية :
- القراءة المكثفة والواعية في الكتب والمراجع والمجلات العلمية والرسائل العلمية من جميع الجامعات وفي شبكة الانترنت اقرأ ثم اقرأ ثم اقرأ قد تستغرق شهوراً.
- حدد لك أساتذة متميزين في مجال تخصصك سواء في جامعتك أو في خارج جامعتك تعود إليهم في استفساراتك وتساؤلاتك وينبغي ان تتوفر فيهم الشروط التالية : (العطاء – الإبداع – التميز – حب الخير – نفع الناس – درجته العلمية – العطاء )، فإن وجدت أساتذة تتوفر فيهم هذه الشروط فتمسك بهم واستفد من علمهم وخبراتهم، وكان تكرار صفة العطاء في بداية الصفات ونهايتها ليس خطأً وإنما تأكيداً عليها، لأنها من أهم الصفات التي يجب أن تكون في الأستاذ الذي تريد استشارته لأن الكثير قد يتوفر فيهم الدرجة العلمية العالية والتميز والابداع لكن ينقصهم العطاء وهي أهم ميزة يتميز بها الأستاذ ويكون طالب الدراسات العليا في حاجة لها .
- القراءة في الرسائل العلمية قراءة مكثفة ومعرفة المنهجية التي تسير عليها وقراءة التوصيات فقد تنبثق في ذهنك فكرة تكون موضوع رسالتك.
- في كل قراءاتك اكتب في دفتر صغير المواضيع المقترحة التي توصلت إليها من خلال ما قرأت، وابحث عنها هل بُحثت من قبل أم لا؟.
- إن وجدت الموضوع الذي ترغب أن تكتب فيه ، اقرأ عنه واستشر أساتذتك المميزين ، واسأل نفسك ماذا سأكتب ؟ وما لجديد الذي سأضيفه ؟وهل فيه نفع للأمة الإسلامية أم ضياع وقت ؟ اسئلة مهمة جدا ثم اكتب الفصول والمباحث المقترحة بشكل مبدئي .
- ادع الله دائما أن يوفقك لموضوع فيه نفع للإسلام والمسلمين وأن يكون خالصاً له وأن يسخر الله لك عباده ،احرص على الدعاء في كل الأحوال وخاصة في أوقات الإجابة ودبر الصلوات، فقد نقل الغزالي عن مجاهد قال: (إنَّ الصّلوات جعلت في خير الأوقات، فعليكم بالدعاء خلف الصّلوات)،وعَن الْمُغيرَة أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كَانَ يَدْعُو فِي دبر كل صَلَاة.
- إن استصعب عليك أمر تصدق ,استغفر ,وحافظ على النوافل واعلم أن انقطاعك عن الصلاة يعني أنك ستحرم من الراحة النفسية (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ).
9- إن انتهيت من إجراءات تسجيل الموضوع تبدأ مرحلة جديدة في حياة طالب الدراسات العليا لابد أن تتميز هذه المرحلة بالجدية والعزيمة والإرادة لأنها مليئة العقبات والصعوبات، فطريق العلم هو طريق النصب والتعب والتضحيات .
10ـ ينبغي عليك التهيئة المناسبة والإعداد الجيد قبل البدء في كتابة الرسالة العلمية وهذه التهيئة تشمل عدة أمور منها :
- احرص على ساعات الصباح الأولى ففيها من البركة والفتح من الله ماالله به عليم فسوف تنجز أعمالا كثيرة في ساعات قليلة وهذه لاشك دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم لأمته ( اللهم بارك لأمتي في بكورها ).
- تهيئة جهاز حاسوب خاصا بك لا يشاركك فيه أحد لأنك ستحتفظ ببحثك فيه وبالكتب وبالأبحاث وإن فقدتها فقد فقدت البحث مع ضرورة الاحتفاظ بنسخ ورقية للبحث .
- تنظيم جهاز الحاسوب وحذف جميع الملفات التي لا ترغب بها .
- اجعل صورة سطح المكتب صورة تبعث فيك الابداع والهمة والطموح .
- وضع جهاز الحاسوب في مكان مناسب في المنزل بحيث يتوفر فيه الهدوء وعدم الازعاج .
11-حدد لك ساعات للكتابة وساعات للمراجعة فعلى سبيل المثال اجعل ساعات الصباح الأولى للبحث والكتابة مثلاً من الساعة 7 إلى الساعة 11 ثم عليك المراجعة من بعد صلاة العصر وهكذا .
12-عند كتابتك استشعر أنك تكتب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وأن ما خطته أناملك سوف يبقى بعد مماتك فاستشعر عظمة ما تكتب واتق الله فيما تنقل .
13-بعد الانتهاء من كتابة الفصل الأول عليك مراجعة الآيات وأرقامها والأحاديث وتخريجها والمراجع وتوثيقها وقراءة الفصل مراراً وتكراراً لأنك قد تحذف أو تضيف وافعل ما فعلته في الفصل الأول فيما تبقى من الفصول الأخرى.
14-لا تتوقف طويلاً فالتوقف الطويل عدو البحث لأنه سيكون سبباً في الكسل والإهمال وضعف الهمة .
15-لا تقتصر على الاستفادة من أساتذة جامعتك بل وسع دائرة بحثك من أساتذة الجامعات الأخرى، ومواقع التواصل الاجتماعي سهلت ذلك كثيرا .
16-بعد انتهائك من البحث احمد الله واسجد له شكراً، فالانتهاء من البحث أمنية جميلة للطالب لكن الأجمل أن يكون البحث خالصا ،متصفاً بالدقة في المعلومات ،والتنسيق والإخراج الجميل، والمعلومة الجديدة النافعة .
17-لا تعتمد على المشرف بل اعتمد على الله ثم جهدك العلمي اجتهد لنفسك وتوكل على الله ولا يحزنك إعراض المشرف عنك أو عدم سؤاله عنك أو عدم قيامه بواجبه على الوجه الأكمل فقد يكون خير لك لتتعلم بنفسك وتستفيد وتعتمد على نفسك فتكون متميزاً يشار لك بالبنان .
هذه بعض الوقفات العامة التي أحببت أن أنقلها لطلاب وطالبات الدراسات العليا لعل الله أن ينفع بها فما كان من صواب فمن الله وحده وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان .