ضغوط الحياة كثيرة، قد تكون ظروفاً عائلية أو حسية أو عاطفية، أو وظيفية أو اجتماعية أو مادية، أو صحية أو جسدية أو عقلية، أو ضغوطاً نفسية وعصبية وبيئية، ويختلف مدى تقبل كل منا لهذه الضغوط حسب قوة إيمانه وتربيته وثقافته، والعوامل المحيطة به وعن إمكانية تحمل جهازه الهضمي والعصبي والمناعي لكل تلك الضغوط، دون أن يشكو أو يتألم أو يعاني أو يتذمر، خاصة وأن الضغوط تؤثر على صحتنا وراحتنا، فعقولنا المسكينة لا تكف عن التفكير المتواصل، ولا تهدأ من الدوران كالطاحونة، كل ذلك يستنزف طاقاتنا ويضيع قدراتنا على الإبداع، ويقلل القوة الدافعة من أعماقنا، بجانب شعورنا بالتعاسة، وكلما تعمقنا أكثر ازداد إحساسنا بالعجز، فنحن منذ أن نستيقظ حتى نخلد للنوم نفكر ونردد دائماً لأنفسنا وماذا بعد؟ وحتى لو خلدنا للراحة، يعاودنا التفكير مرة أخرى متى سننهي ما تراكم علينا من أعمال؟ وماذا سنفعل غداً وبعد غد؟ وهكذا طوال عمرنا ونحن نفكر ماذا سنفعل؟ لأننا اعتدنا علىعمل أي شيء في أي وقت، إنه العصر الحديث الذي نجري وراءه بأنفاس متهدجة، ولا نجد الوقت الذي نتأمل أو نسترخي فيه؛ لنبحث عن أنفسنا داخل هذا العالم، فكل ما حولنا من صراخ وضجيج، من تنديد واستنكار، أفقدنا التواصل مع الآخرين، وغابت اللمسة الرقيقة والكلمة الحانية، فالضغوط أصبحت سمة العصر وجزء لا يتجزأ من حياتنا، فلا وقت لدينا، الكل مهموم، الكل مشغول، الكل مضغوط، الكل قلق، حتى أصبح كلامنا ودعواتنا وتهنئتنا وسؤالنا، من خلال بضع كلمات نكتبها في عجالة من أمرنا على الجوال ونرسلها في ثوان، حتى انعدمت روح العاطفة لدينا، وباتت مشاعرنا جافة بلا معنى ولا هدف، إن إحساسنا بالضغط إدانة واضحة لأنفسنا، تشعرنا بأن في أعماقنا أخطاء لا بد أن نصححها، أو أن هناك نقصاً يجب أن نستكمله، وفوق كل ذلك علينا أعمال إضافية لا يتسع لها وقتنا، ونتوهم بأن علينا البحث عن المادة أكثر من اهتمامنا بصحتنا وراحتنا، هل فكرنا لحظة في إعطاء إجازة لهذا العقل المرهق؟ هل لنا أن نتعلم كيف يركن ذهننا إلى قليل من الراحة؟ فالعقل كالجسد يحتاج للاستجمام لكي يعود أفضل تركيزاً وأكثر نشاطاً وقوة وقدرة على الابتكار، وحتى نخفف الضغط الناتج عن أعمال لن تنتهي، حتى لو انتهى عمرنا سيبقي هناك الكثير الذي لم ننجزه وسينجزه غيرنا، إننا نحتاج أن نوازن بين ما يحدث لنا في يومنا وما يتسلل إلى نفوسنا من مشاغل ومشاكل، وبين أي أمر يمنحنا الراحة في باقي يومنا، فالله سبحانه وتعالى هو خالقنا، وهو من منحنا قدرة للتكيف مع الضغوط لو أردنا نحن ذلك ولم نستسلم لها، والإرادة تنبع من الداخل لنتغلب على ما يواجهنا، ونحدث التوازن بين متطلباتنا ورغباتنا واحتياجاتنا وقدراتنا، ونمنح عقولنا الفرصة للتكيف مع الأزمات التي نمر بها .