مسلسل " سيلفي والهم خلفي" المعروض على قناةMBC عمل يشكر عليه البطل الفنان السعودي ناصر القصبي و المشرف العام عليه الكاتب السعودي خلف الحربي , فقد أخذنا معاً خلال الثلاث الحلقات الأولى لالتقاط سيلفي جماعي مع الوجه الحقيقي للعالم العربي الذي نعيش فيه , و أثارت الثلاث حلقات الأولى ضجة إعلامية كبيرة لمضمونها تمثلت فى سخط المعارضين و استحسان المؤيدين و لكن على الفئتين كان التحديق بمسلسل " سيلفي" كالتحديق في الشمس التى لايحجبها شىء فكما تُعتبر في علم الطاقة أنها ميقظة للإحساس ف"سيلفي" طل كالشمس مُدمع للعين و ميقظ لإدراك من هو نائم و في سبات و حتى أن " التحديق في عين الحقيقة أكثر ألماً من التحديق في عين الشمس"
إن الحلقة الأولى تمثلت برسالتين :
أولها رسالة لاحظها الجميع و ثانيها رسالة أخرى ربما لم يراها الأغلبية و ربما لن يروها وهي أن الفنان الحقيقي هو الذي يكون فنه و ما أنتجه جزء منه - كأنه ولده- لو ( تعطيه مال الدنيا ما يقبلها ), وهذا تمثل في رفض الصديقين اللذين عُرض عليهم المال من صديقهم (توفيق) الدخيل على الفن و السارق لنصوصهم و ألحانهم .
و برأيي نستطيع الربط بين الحلقتين (دنفسة و بيضة الشيطان) بفكرة واحدة .
أن للموسيقى و لكل أنواع الفنون بشكل عام تأثير عميق في جعل نفس الإنسان مفعمة بالجمال و نبل و رقي الفكر و سمو الأخلاق صانعة (إنسان) رقيق المشاعر و الاحاسيس و ذلك لن يفهمه الجاهلون بها و من لا يقدروا أهميتها للفرد و للمجتمع بل يقوموا بتحطمها " كرجل كهف " لا يحسن استخدام آلة فيحطمها حتى رجل الكهف يمكن أن يكون أذكى في اكتشافها و دراستها لأنه غير مؤدلج .
إن حضارات الأمم تقاس بثقافتها المتمثلة بفنونها التي هي لغة الشعوب.
حدث قبل رمضان في بداية الإجازة الصيفية أني أردت التسجيل في معهد لتعليم العزف و الموسيقى لاستغلال الإجازة في تعلم عزف لحن جميل على قيتاري المسكين المنتظر بزاوية الغرفة ، دون ذكر تفاصيل عن المعهد كل ما يمكنني قوله أن المعهد معتمد و له إسمه و مكانته المرموقة التي يتمتع بها فأخذت العنوان ذاهبة للتسجيل و لكن ما أن وصلت للمكان حتى اكتشفت أن المعهد بدون لوحة !!
و طرحت سؤال برئ لماذا لا يملك المعهد لوحة جميلة و كبيرة كبقية المعاهد ! من ضد ذلك ؟ نفسه الذي يقف ضد السؤال الأخير المطروح في مقال "دراما التأثير ... لماذا الرفض ؟"
حكيت القصة لأنه كان موقف محزن جدا و جارح و محبط و أيضاً لأذكر لكم أن الحضارة الفقيرة أو الخالية من تلك المعاني الجميلة عن الموسيقى و التي تعامل بها الفنون معاملة الجريمة لن نستغرب أنها تنتج لنا أناس دخلاء على الفن و دواعش مغررين دخلاء على الدين أي أنها تنتج (لا إنسانيين ) مشوهين بأدلجة المتدينين لهم .
أن للحلقات الثلاث ل"سيلفي"تأثير كالموسيقى نغماً و ايقاعاً و قد جاءت الحلقتين تنادي للاهتمام ثم الاهتمام بأهم مورد لوطننا و هو شبابه بتوجيه طاقاتهم فيما يعود بالنفع عليهم و على المجتمع بأكمله فلو لم يفشل الأول بحياته لما سلك طريق (الاحتيال المباح) -كما أسميه- و لو لم يفشل ابن ناصر (أبو عكرمة) و صديقه (أبو سكروب) و لم يجدوا من يحتويهم و يحتوي أيضاً مجرمهم-كأبو سكروب- و يجيب على تساؤلاتهم و يوجههم و يوفر لهم احتياجاتهم لما ذهبوا لل"دواعش" و للفشل اسباب متعددة أحدها ترك أبنائنا لأدلجة المتدينين
من سخطوا معارضين لحلقات مسلسل "سيلفي"
( تحليل شبه نفسي بالنسبة للحلقتين "دنفسة و بيضة الشيطان" )
عندما يكون الإنسان متعايش مع الأحداث لا يشعر و لكن عندما يتم فصل المشهد عنه و يعرض عليه بصورة و على شاشة هنا يشاهد فيرى و تتجلى (تتضح) لديه الرؤيا و لكنه لا يستطيع تقبل أن هذا فعلا هو واقعه و تكون أنت المثثل للفكرة أو - من أراه الحقيقة أيا كانت - قد مسست شيئا من اعتقاداته فأثرته فتأتي ردة فعله عاطفية و ليس فيها من المنطق شيء و لا يملك رادا على الحلقة غير الذم و التكفير أو التهديد للانتقام من الفكرة و ممثلها و هذا طبعا رد من هو مفلس
و أما بالنسبة لأفراد المجتمع فينقسموا إلى ثلاث أقسام أو تحديداً إلى قسمين فالقسم الثالث ليس له بهذا ولا ذاك
فئات غضبت من الحلقة الأولى و أحبت الحلقة الثانية فهم (أنصاف المتدينون) الذين لا هم متشددين التشدد الذي يجعلهم يسلكون الداعشية , ولا هم المفلتين أو المتحررين من قيد الدين فهم في المنتصف فغضبوا من الأولى و انستهم هي الثانية ، وذلك يعود لعدم توقعهم وجود أناس متدينين في الحياة مثل هذا النموذج المحتال فيرون أنك اسأت لدينهم لأنهم يرون الدين بطريقتهم الوردية جداً فأنت تنغص أحلامهم فلورديتهم الدينية لا يرون و في اعتقادهم أنك مسست دينهم ، حتى أنهم اساسا لا يعلموا ما في دينهم !
و فئات الداعشيين الذين كانوا سابقا أنصاف متدينين و عززت لهم شياطين أنفسهم أن يميلوا و يبلغوا المرحلة الداعشية متجاوزين انسانيتهم فطبعاً سيغضبون لدرجة التكفير و ما بعد التكفير .... , لوحشيتهم و تجردهم من كل معاني الإنسانية
و أن حولنا "دواعش" كامنة –كالطاقة الكامنة أو المكمأة التي درستها في الفيزياء يظهر ما يكمن بداخلها من كم طاقة مخزن على حسب الحالة التي حولها أي المحيط بها و على حسب المؤثر الخارجي - فالدواعش كامنين منذ زمن حولنا و تتفاوت درجة داعشيتهم ومايحكم تفاوتها المحيط بهم و لكن لم نكن نلحظ وجودهم كالآن فلم يكن لهم اسم "دواعش" من قبل !
" إن المشكلة ليست أن الإنسان خرج على الدين بل المشكلة أن الدين خرج على الإنسان "
ولك عزيزي القارئ أن تفهم العبارة على حسب وعيك و مخزونك المعرفي
ناصر القصبي فنان لا يتكرر
أن ناصر القصبي من الفنانين المبادرين بفنهم الذين قدموا كوميديا هادفة لمجتمعنا السعودي بشكل خاص و العربي بشكل عام فمنذ مواسم مسلسل "طاش ما طاش" و مواسم " عيال قرية " و الآن "سيلفي" و عطائه و تفانيه في العمل و اهتمامه بقضايا مجتمعنا و بذلك ناصر القصبي يقدم خدمة عظيمة للمجتمع .
و مروراً بتلك المواسم لو تتبعنا رضى المجتمع السعودي عن ناصر القصبي نجد أنه مختلف عن البدايات في "طاش ما طاش " و هذا يعود إلى أن مسؤولية ناصر القصبي أصبحت أكبر و أراد أن تكون له رسالة سامية و فن هادف فمنذ تطرقه للدين وهو يعلم أنه مفرق لأنه موضع خلاف و اختلاف و لكن سلك طريق الجهاد الحق و ضحى بحب جماهيره له في سبيل توعيتهم .
و إن مجتمعنا السعودي بشكل خاص بطبعه كالطفل مسالم و صالح ، و مجتمع مشغول بهذه الحياة في تأمين لقمة عيشه حتى أنه لا يعي ما يعيشه من أحداث ليس لجهل و لكن لعدم امتلاكه للثقافة الكافية و الإطلاع الواسع بخصوص معرفه ما يحتاجه كمجتمع ؟ و ما يجب أن يفعله ليطالب بما هو في مصلحته العامة ..
و اصف بذلك مجتمعنا بالمجتمع المدلل الذي له من أبنائه -أمثال ناصر القصبي- من يجتهد ليسليط الضوء على قضاياه لعرضها دون أي جهد أو مطالبة من أفراده و هذا أن دل فيدل على وطنيه ناصر القصبي المتمثلة بخدمته لمجتمعه و هذه أرقى القيم وطنية . وأرى رجعته للكوميديا و التلفزيون أتت في وقتها (فمجتمعك يحتاجك) و يحتاج أمثالك يا ناصر القصبي
و يقول الأديب الشاعر جبران خليل جبران
" ويل لأمة عاقلها أبكم و قويها أعمى و محتالها ثرثار
ويل لأمة فيلسوفها مشعوذ و فنها فن الترقيع و التقليد
ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين ". حديقة النبي
هذه من التسع ويلات لجبران خليل التى حذر منها الأمة التي تنطبق عليها مواصفاتها
و قد تجسدت هذه الويلات في رسائل الثلاث حلقات الماضية (دنفسة و بيضة الشيطان)
و قد كان ناصر القصبي العاقل الذي ليس أبكم
و آمل أن تحتوي الحلقات القادمة على أحد السبع ويلات الباقية
و إن بعد مشاهدتي للثلاث حلقات انتابني نفس الشعور الذي شعرت به بعد مشاهدتي لفيلم "وجدة" للكاتبة هيفاء المنصور وهو إحساس الأسف و الأسى و الحسرة على مجتمعي و واقعه المرير و إن مثل هذا الفن الهادف ، الفن المؤثر الذي يمس القلوب و يعمل على توعية العقول هو مما نحن في أمس الحاجة إليه في مجتمعنا .