في وسط دوامة الحياة بين بهجتها وأساها ، بين الجميل والقبيح فيها ، تنبع تجارة الموت مع مختلف أنواعها وطرقها وأسعارها ، ومع كثرة المتداولين والباحثين عنها ، بل تجدهم مختلفين أيضا في أعمارهم فتجد الكبير والصغير ، بل وتجد الاختلاف في قدراتهم ومكانتهم الاجتماعية أيضاً ، فتجد الغني والفقير والطبيب والمعلم والمثقف والعامّي .. إلخ ، أتحدث عن العالم بأسره ومخصصاً المسلمين منهم ، أيُّ عقول هذه ؟!! ، حين تختار اختياراً إرادياً نهايتها ـ الموت ـ ، بل وتضحي بعصب الحياة لشرائها .
تجارة رابحة بهلاك بني آدم ، رابحة بقتل الكبير والصغير ، رابحة بنشر الأمراض وتدمير الأسر ، إنها تجارة التدخين وما أدراكم ما التدخين ؟! أمراض وأضرار ، إسراف وأخطار ، من إليها ناص فقد اشترى الخلاص ، وباء بخسران الدنيا والآخرة ، إنني أتحدث عن معصية أصبحت ظاهرة ، أتحدث عن ذنب أصبحنا نراه وكأننا نرى آدميا يشرب ماءً ، حتى أصبح ذلك المشهد لا يستوقفنا ولا يلفت نظرنا وللأسف !!
الكل مسؤول .. الدول والتجار والأب والأم والإعلام والمدارس إلخ .. ، فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيرونه أوشك الله أن يعمهم بعقابه ) ، بربكم .. كيف لو أن الكل قام بدوره ؟! كيف لو أن الكل بحث عن صلاح الآخر ؟! والله لانخفض نسبة التدخين في مجتمعاتنا الإسلامية ، ولانتشر الوعي فيهم ، لكن الكل مقصر والكل سيسأل يوما ما .
أما يعلم ذلك المدخن أنها في المقام الأول معصية نهى الله عنها حيث قال { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة } ، فمضمون الْآية على قول العلماء " الْأمر بالإنفاق في سبيل اللَّه في سائر وجوه القربات والإخبار عن ترك فعل ذلك بأنه هلاك ودمار لمن لزمه واعتاده " ، ولا شك أن الإنفاق في التدخين محرم و أضراره بينة أكدها العلماء والأطباء والدراسات والشواهد .
كيف له أن يتحمل ذنب هذه المعصية العظيمة ، التي غالباً ما تدخل في " المجاهرة بالمعصية " ، أما سمع قول الله في كتابه : { لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } ، هذا القول فما بالكم بالفعل ، وما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كلّ أمّتي معافًى إلاّ المجاهرين ... ) وهذا كأنه بها يدعو غيره لها .
تأملوا معي حال من تجرأ على الله بالمعاصي وجاهر بها وأسرف فيها ، كيف الله تعالى أخزاهم في الدنيا قبل الآخرة ، انظروا إلى حال الأمم السابقة ومصيرهم تجدوا كل العبرة ، بل لو أردت أن تتعظ أيضا زر أقرب مركز أو مشفى لتنظر لحال من أضر به التدخين ، لتعلم مدى صحته وهلاكه قبل وفاته .
لن أتحدث كثيراً عن قيمة الأموال التي أسرفها هذا المدخن لأن الكل يعلم أنه قد ينفق في الشهر أكثر100 ريال ـ شهرياً ـ في معصية الله ، " فيشتري موته بماله " بل ويشتري أيضا خراب بيته وأبنائه ، جاعل خلف ظهره قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ) .
علمياً أثبتت الدراسات " أن السجائر تحتوي علي 43 مادة كيميائية مسببة للسرطان و يعتبر التدخين السبب المباشر في 78% من سرطان الرئة ومعظم حالات تمدد الرئة والتهاب القصبات الهوائية المزمن ، كما يؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والجلطة الدماغية " ، ناهيكم عن أثر استخدام النساء الحوامل لهذه السجائر .
لن أختم مقالتي بنصيحة أخرى للمدخنين فما سبق أبلغ مما سيُخَط ، إلا أن أنقل لهم قول الشاعر :
نفس ابن آدم للأهواء تيــــــــــــار *** من لم يصنها كساه الخزي والعار
من يتبع النفس يأبا لشهوتهـــــــا *** أسمع وأبصر به والسيف بتـــــار
ويح الشباب بعقر الجهل ألمحهــم *** ضلو الطريق فلا ماء ولا نــــــــار
ويح الشباب رباط الغرب كتفهــــم *** ومجدنا خلفهم يهفوا وينهـــــــار
شر الدخان دعاهم فاستجابوا لــه *** موت بأفواههم للغرب سمســــار
أخي بليت فأنت الآن ممتحــــــــن *** فقوم النفس لا يفتنك غـــــــــدار
ليس الرجولة نيراناً تقبلهــــــــــــا *** إن الرجولة ميزان ومعيــــــــــار
ليس الرجولة تبغاً ينتشي قـــــذراً *** بل إنه الداء للأبدان قهـــــــــــار
لا تحسب التبغ للإنسان يكملــــــه *** فإنه الشر آثـــــــــــــــام واوزار
انظر لمن صنعوا الدخان قد كتبوا *** بأنه لابتسام العمر مهـــــــــــدار
قد زينوه بأنواع وأوسمـــــــــــة *** وكله لحياض الموت جــــــــــرار
إن كنت تنظر للدخان مفتخـــــــراً *** فإن دمعي على بلواك مــــدرارا
هذي ضحاياه أجساد مهمــــــدة *** قد آثروا الموت والرحمن يختـــار
رفقاً بنفسك واستدرك فجيعتهـا *** فالله يا ابن أبي للعبد غفــــــار
أعطاك جسماً صحيحاً منه موهبةً *** فلا تكن جاحداً فالله جبـــــــار
لا توهم النفس بالدخان تطربهـــا *** فإنها النفس للأهواء تيـــــــــار
اننا *بحاجة الى ان ننكر على المجاهر بالتدخين حتى يصبح المدخن منبوذا ويصبح يستحي من معصيته