الاستاذة فتحية منديلي
الخاطرة هي تعبير عن مكنونات النفس وما يدور فيها من صراعات .. قد تكون حب أو فرح وقد تكون حزن أوضيق .. فأحياناً قد تموج في نفس المرء خواطر جمة وهواجس مملة منها ماينتابه من ألم كئيب وشعور غريب وإحساس عجيب في ظل صمت رهيب، ويتراءى له أن كل ماحوله لايطاق .. ويجول بداخله شبح مخيف ويسري في ضميره لوع مريع وأن قدراته باتت محدودة وإمكاناته أوشكت تكون مفقودة ، لأن مطالب العيش في نظره عده ولم يكن بمقدوره مواجهة أعباء هذه الحياة الصعبة، وأن استمرار الحياة أمر مؤرق وتحقيق إحتياجاتها خيار موهن، لهذا تخيل إليه أن طاقتة نفذت وقواه ذهبت وحركاته قلت وسكناته هدأت وكم يرجو أن تكون نهاية حياته دنت لأن اليأس راوده نفساً وتغلغل بداخله عمقاً، ورأى أن الدنيا كدٍ متعوب وكٓبد غير مغلوب مستدلاً بماقاله الرب المعبود بما هو في الكتاب مورود ( لقد خلقنا الإنسان في كبد)
وفي ظل هذا التشاؤم السحيق وتحت كنف هذا اليأس المحيق أصبحت نظرته للحياة كيئبة وأنزوت تطلعاته لهذه الدنيا البهيجة لما أعتراه من غم وماأحاطه من هم ؛ هنا أجزم أن السبيل إلى الراحة شيء مستحيل والوصول للإستراحة صعب التمكين، ووسط تلبد هذه الغيوم وكثافة هذه الهموم المحيطة بعيشه المغموم بما طاف بخاطره من كرب مدعوم وسري في نفسه من ألم مدفون وقلق مشحون بأهاجيس مخيفة ونوايا معيقة ؛ أيقن أنه لاداعي لبقائه ولا جدوى استمرار حياته في هذه الدنيا الزهيقة ؛
فياأيها اليائس الكئيب الذي تحوم حولك هذه الهموم وتراود فكرك الغيوم وتلوع في نفسك الغموم نقول لك : لانستلم ليأسك الذي هوى بك عدماً والذي توانت منه قواك وهناً والذي استفحل من نفسك ندماً وغير مجرى حياتك رأساً على عقباً، فما عليك وأنت تعاني هذه المآساة وتئن من هذا الجفاء وتكابد من أجل البقاء وتسخط على ماأصابك من عناء ؛ كيف نسيت رحمة الله الواسعة وقدرة القادر الشاسعة التي ملأت رحاب الأرض نعماً وأحاطت الكون رزقاً وغمرت كل مخلوق أملاً؛ ففي غضون أجوائك العاتمة ونظرتك القاتمة ماعليك سوى اللجوء إلى باريك وتفويض أمرك إلي هاديك ، وتثق بقدرة الرب ثقة أكيدة ، وترضى بقضائه رضى مديدة ، لأن الدنيا إذا أتعبك فيها ألماً وجال بخاطرك يأساً وأمتلأت نفسك غماً ، فربما أشتاق الله لسماع صوتك لتناجيه دعواً ..
فلماذا أيها العبد العابد تطيل التفكير في هذه الدنيا الفانية في حين أن الله يتولي تدبير كل أمر قائمة ولماذا القلق من المجهول وكل شيء عند الله معلوم ، ولماذا اليأس من الحياة فرحمة الله هو الذي تسيرك لتحيا قريراً في هذه الحياة لذلك إطمئن فأنت في عين الله الحفيظ وفي رعاية السميع المجيب لكل كئيب والمعين لكل يئيس ، فحين ينتابك هذا الذعر الخبيث والقلق المريب قل بقلبك قبل لسانك « فوضت أمري إلى الله إنه بصير بالعباد » ولا تنسى أن همك الذي يحضنك، وحزنك الذي يؤلمك، وكدرك الذي يغمرك وضيقك الذي يؤرقك ما أيسره على خالقك عنك أن يبعده وما أسرعه على ربك منك أن يركنه ، فتفويض شأنك إلى الله في كل مصيبة والتوكل عليه في كل أمر مريدة تلك هي قمة الثقة بالله العميقة وأعلى درجات حسن الظن بالله الأكيدة ، ففي معمعة ظروفك المعيفة عليك أن تردد وتقول ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري ) هي آيات الراحة والسكينة لمن شعر بهمّ، هي مفتاح السعة والطمأنينة لمن أصيب بغمّ ، فبها سيأتيك الفرج حتماً ويسخرك لرضاه وقعاً فهو المجيب لكل من دعاه خشعاً ، فإن لم تلتمس وقع تأثير هذه الآيات أوناً سيواليك بمشيئته بشرها قُدماً ، فأثرها جازم في طلب الرجاء وسرها باتع في إزاحة البلاء؛ أنظرإلى سر وقعها ومعجزة فعلها الذي تمثل في سرعة قضائها إستجابة دعاء سيدنا موسی عليه السلام النبي القانط حينما التمس من ربه الخالق أن يجعل أخاه هارون معيناً له لأداء مهمتة الشاقة التي كلفه بها تبليغ رسالة التوحيد لأهل هذه الأرض بعزم وأمانة وحزم ومتانة، حينها سأل ربه ثقة ولجأ إليه خشعاً، لأنه لم يجد من يساعده على القيام بهذه المتاعب عوناً وفوض أمره إلى ربه طلباً وقال : ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك. كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا) نعم أستجاب الله له الدعاء وشرح له صدره بكل سخاء وسخر له أخاه هارون ليشد أزره بقوة ودهاء ، فإن انشرحت الصدور يتولاك الله في جميع الأمور ويتسع قلبك لكل ماهو واقع ولن يضيق صدرك بكل ماهو عابر، فلا تسأل عن أمر يسره الله لك كيف يكون فإن شرح الله صدرك لن تكون هناك عوائق داخلية تعيق حدثه وإن يسر الله أمرك فلن تكون هناك صعوبات خارجية تحول دون سيره ، فهو المُمِن ولا يُمنُ عليه والمحيط بالليالي والأيام ولم يعيق إحاطته توالي الأيام ، ويجير المستجيرين ولم يؤرجح عظمته بلوغ التمكين ، ويؤمن الخائفين ولم يزعزع قدرته نيل اليقين ، فإذا منحك الله رضاه يسخرك باستقرار وضعاً وعيش رغداً ويوفيك نعماً ويحيطك أمناً بكل ماأنزله عليك قدراً، فالحياة ملئها الغرائب ولاتندهش إذا مارأيت فيها من العجائب فكل ماتراه فاتخذ منه عِبرة وتعلم منه عظة وأقتنيه في حوزتك كياسة تنتفع به وقت الحاجة، وأرجع إلى الله وأنت تائب وأطلب نصره على كل غالب وأعتصم به لو كنت خائف فهو لن يضيمك وقت الشدائد ويسبغك لنعمه من كل جانب فهو رب كريم إذا أعطى جزل وإذا أنعم وفر وإذا أغدق همر، فلا تجزع من قضائه ولا تيآس من بلاءه، فما كتبه الله لك هو العالم بأن فيه خير لك وما أنزله الرب عليك فيه حكمة تقتضي كل الخير لك، ماأعظمه من رب وماأكرمه من باري وما أرحمه من خالق ، حينها أسأله أن يدرأك همٓ كل ماقضاه لك وينيئك غم كل ماأبتلاه لك ويزيحك ألم ماأتاه لك ، فهو المنشيء لكل مافي الكون والمدبر لشأن كل ماوجد في هذاالكون ؛ لذا فهو لن يضيرك مهما تتالت عليك الكروب ولن يضيمك إذا مانالت منك سخط الدروب ، وأطلبه أن يجنبك خطيئة اليأس ويعصمك إثم البأس ويبعدك وسوسة النفس ويردك إليه رداً جميلاً يرضى فيه عنك رضاً مديماً .