الأستاذة كوزيت الخوتاني
الضميرُ الحي هو ذلكم الشعورُ الإنسانيُّ الباطنيُّ الذي يجعلُ المرءَ رقيبًا على سُلوكه، ولديه الاستِعدادُ النفسي ليميزَ الخبيثَ من الطيب في الأقوال والأعمال والأفكار، واستِحسان الحسن، واستِقباح القبيح.
إِنَّ حياة المؤْمن فِي الضِّياء لَيست كحياتِهِ فِي الظُّلمَة، إِنَّها حياةُ ذَوِي الضَّمَائِرِ السَّـلِيمَةِ الَّتِي لا يَشُقُّ عَلَيْها تَحَمُّـلُ التَّكَالِيفِ، وَلَمْ تَعْجِزْ عَنْ تَجَنُّبِ الآثَامِ وَالبعد عنْها، لأَنَّ الضَّمِير السَّـلِيم يَدُلُّ صَاحِبَهُ عَلَى كُلِّ فِعلٍ قَوِيمٍ، سَالِكًا بِهِ الصِّرَاط المُستقيم.
وإِحياء ضَمِيرِ الإِنْسان يصدق عَلَيْهِ مَا يَدْعُوه بَعْضُ المُعَاصِرِينَ بِـ " تَنْمِيَةِ الرَّقَابَةِ الذَّاتِيَّةِ "، وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِتَنْمِيَةِ مَلَكَةِ الخَيْرِ فِي النَّفس، ومُدافعةِ نَوَازع الشَّرِّ فيها، وَخَيْرُ بَاعِثٍ لها على ذلك استِحْضَارُ رَقَابَةِ اللَّهِ.
لقد عانَت المُجتمعات المُسلِمة في هذا العصر من غيابِ الضمير الحيِّ الواعِي، ذلكم الضميرُ الذي عوَّدَهم في غابرِ الأزمان أنه إذا عطسَ أحدٌ منهم في المشرقِ شمَّتَه من بالمغرب، وإذا استغاثَ من بالشمال لامسَت استِغاثتُه أسماعَ من بالجَنوب.
ولذا فإنه ينبغي أن يستنطِقَ كلُّ حريصٍ ضميرَه؛ لأن الضميرَ الصامِت شيطانٌ أخرس، كما أن الضميرَ الناطِقَ بالسوء شيطانٌ ناطقٌ.
عندما يموتُ الضميرُ يعلُو الظلمُ، ويخبُو العدل، ويكثُر الشُّحُّ، ويقِلُّ الناصِح، وتُستمطَرُ الآفاتُ والعُقوبات، ويُهدَمُ البُنيان لبِنَةً لبِنَةً، ولاتَ ساعة ترميمٍ، فينتج عن ذلك فساد في الأخلاق والمعاملات وقد تذهب المودة وتختفي الرحمة وتسوء العلاقات. وهكذا في كثير من جوانب الحياة إذا مات الضمير فإن الحياة تفسد. ذلك أن الضمير الحي سِرّ الحياة من غيره تموت الشعوب والأوطان وتنتهي الأمم والحضارات وتزول القيم والمبادئ.
إن الدول والشعوب والحكومات لتسن القوانين وتوجد التشريعات وتحدد العقوبات التي تكفل لها ولأفرادها الحياة الطيبة والآمنة، فتحفظ الحقوق وتنجز الأعمال وتؤدى الواجبات وتكافح الجرائم والاختلالات، وأصبح الفرد ينظر عندما يقدم على عمل إلى موقف القانون والعقوبة المترتبة على ذلك فإذا وجدت وسائل الرقابة البشرية التزم بذلك وإلا فإنه سرعان ما يتفلت ويتهرّب ويتحايل على هذا القانون.
اذا خلوت الدهرا يوما فلا تقل
خلوت و لكن قل : علي رقيب.
و لا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما يخفى لديه يغيب.
أما في شريعة الإسلام إلى جانب ما شرعته من أحكام وحدود وعقوبات فإنها سعت لتربية الفرد المسلم على يقظة الضمير والخوف من الله ومراقبته وطلب رضاه حتى إذا غابت رقابة البشر وهمت نفسه بالحرام والإفساد في الأرض تحرك ضميره الحي يصده عن كل ذلك ويذكره بأن هناك من لا يغفل ولا ينام ولا ينسى، يحكم بين عباده بالعدل ويقتص لمن أساء وقصر وتعدى في الدنيا والآخرة القائل سبحانه: {وإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَاماً كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}.
وأخيرًا: وزكوا أنفسكم وهذبوا أخلاقكم وأحيوا ضمائركم ورَبُّوها على عَمَلِ الخيرِ والبعدِ عن الشر تسعدون في حياتكم وتنالون رضا ربكم وتقوى أخوتكم وتحفظ حقوقكم وينتشر الخير في مجتمعكم واحذروا من التمادي والغفلة وأقبِلوا على الله بأعمال صالحة ونيّات خالصة قال تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون}.